بو ناصر الطفار، كاتب ومغني راب لبناني مقيم في تركيا، عُرف بأغانيه التي تتناول قضايا المهمشين وصراعاتهم بواقعية وصراحة فجة، حيث أصبحت بعض أغانيه وكلماتها شعارات وأناشيد للمظاهرات والاحتجاجات الشعبية اللبنانية. بمناسبة مجيئه إلى برلين، لإحياء حفلة مع هالو سايكلبو من تنظيم أل برلين، تحدثت معه ديانا عبّاني عن أهمية وتحديات القدوم إلى أوروبا، والعلاقة مع بيروت والغربة، ورؤيته للموسيقى والراب واللغة في زمن الإبادة.
يرفع بو ناصر صوته لكسر صمت المجتمع المهمش الذي أمعنت الدولة في إفقاره وإسكاته. بدأ مشروعه عام 2009 مع إصدار ألبوم “صحاب الأرض”، تلاه العديد من الأغاني المنفردة والتعاون مع آخرين ممن يشاركونه الأمل والأسئلة والثورة والشغف الموسيقي من فناني الراب ومنتجي الموسيقى المحليين والعالميين. قدم العشرات من العروض الحية الناجحة في مختلف المناطق اللبنانية، وأحيا العديد من الحفلات التي بيعت تذاكرها بالكامل في تركيا وأوروبا، قبل أن يعود إلى بيروت في أبريل 2023 لإحياء أول حفل له هناك منذ 5 سنوات، في إحدى أكبر حفلات الراب على الساحة المحلية اللبنانية، والتي كانت بداية لسلسلة من الحفلات الناجحة في لبنان والخارج. بالإضافة إلى أعماله الموسيقية، أصدر بو ناصر بشكل مستقل روايتين “الحرايق” عام 2016، و”القشنود” عام 2018. وقد حقق الكتابان نجاحًا حقيقيًا ووجدا لهما مكانًا في العديد من المعارض الدولية.
بالرغم من رفض تأشيرتك (٣ مرّات) لأوروبا، حصلت عليها مؤخرًا بعد الوساطات والضغوطات، مما سمح لك بإحياء حفلات في أوروبا. ما أهمية المجيء إلى أوروبا وإحياء حفلات هنا في ظل الإبادة في غزة وصعود الخطاب الفاشي، وحظر التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين وإسكات أصواتهم؟
هناك عدة مستويات للإجابة على هذا السؤال. على الصعيد المهني، تُعد الحفلات في أوروبا أكثر احترافية وأهمية من حيث التنظيم والعائدات، وتفتح الأبواب لعلاقات ومشاريع أكبر. من جهة أخرى، مع القمع الذي نواجهه جميعًا قبل مجزرة غزة، كموسيقيين أو فنانين من العالم “السفلي”، نجد أنفسنا تحت شروط وتمويل مؤسسات تابعة للحكومات، مما يجعل رحلتنا صعبة جدًا. لذا، أن أكون خارج هذا النظام وأستطيع تحقيق هذا الاختراق يعني لي الكثير على الصعيد الشخصي، ويمكن أن يكون إلهامًا لكثير من الفنانين الآخرين الذين يفكرون في طرق مختلفة لإيصال صوتهم بعيدًا عن السبل المفروضة علينا.
أيضًا، في ظل ما نعيشه في غزة وجنوب لبنان وفي أي مكان بالعالم حيث تُقمع المظاهرات، من المهم أن يصل المحتوى الذي نقدمه إلى الناس في أوروبا ليشعروا بأنهم مرتبطون بما يحدث هناك. والتفاعل مع الجمهور من خلال هذه الحفلات يمنحهم شعورًا بأنهم ليسوا معزولين عما يحدث في البلاد. وهذا الشعور بالاتصال العاطفي مهم جدًا، فحفلاتنا ليست مجرد حفلات، بل هي تظاهرات فيها تفاعل كبير وشعارات سياسية. في السياق الأوروبي، حين تَحشدُ حفلات كهذه مغتربين ومهاجرين و”ملونين” تحت هذه الشعارات، فهذا بالطبع لن يُعجب الحكومات في تلك البلدان. لذا هو انتصار متعدد المستويات. أخيرًا، على الصعيد الشخصي، والدتي سعيدة جدا بأنني أحيي حفلات في أوروبا، وهذا يضيف بعداً آخرًا لي.
بشكل عام، من المهم لي إحياء هذه الحفلات حاليًا، خاصة أنني أعيش في تركيا وأعرف تمامًا قيمة التواصل مع أي حدث من بعيد. لذا، أن أكون أنا من يقوم بهذا التواصل في بلدان أخرى وأخفف من ثقل الغربة، يُعدّ إنجازًا كبيرًا. لقد قمت برحلة إلى سويسرا في بداية هذا الشهر، ولم أكن أعرف أحدًا هناك، ولكن التواصل مع فريق الإنتاج والجمهور كان رائعًا، وأصبح لي عائلة هناك. وكوني أحييت حفلتين هناك، جعلني أدرك أهمية هذا التفاعل.
ففي لبنان الوضع صعب، وفي تركيا الأوراق مرعبة. الذهاب إلى أوروبا مستحيل تقريبًا بسبب التعقيدات في الحصول على التأشيرة. لديّ تاريخ حافل مع التأشيرات، فقد سبق أن رُفضت تأشيرتي من السفارة الألمانية مرتّين ثم الفرنسية. مؤخرًا نجحت في الحصول عليها من السفارة السويسرية بوساطة الأصدقاء. حصلت على تأشيرة لثلاثة أشهر، ولكن يُسمح لي بالبقاء 45 يومًا فقط، مما يُجبرني على الذهاب والعودة عدة مرات. في المقابل، هناك أشخاص في أوروبا يمكنهم السفر بسهولة وإقامة الحفلات في بلادنا أو القدوم لأكل شاورما والعودة دون معاناة، بسبب امتيازاتهم التي ورثوها عن تاريخهم الاستعماري الدموي.
لذا بالنسبة لي، عدم إحياء حفلات في أوروبا أصبح موضوعًا حساسًا، يُعيد سيناريو بيروت، حيث كنت أضع كل جهدي في المدينة، ومع ذلك كانوا يقولون لي إنه لا يمكنني الاستمرار. الآن أحاول أن أعيش من موسيقاي وأقوم بمسؤولياتي تجاه الأشخاص الذين أنا مسؤول عنهم. لا أستطيع القيام بذلك من خلال حفلات قليلة، فهي لا تكفي لتغطية التكاليف. لذا لا يتعلق الأمر فقط بإقامة حفلة في مدينة أوروبية ما، بل بالحصول على تأشيرة تسمح لي بالتنقل والعمل والقول للعالم إننا هنا.
كتبتَ في عام 2020 نصًا بعنوان “غرباء” عن علاقتك الملتبسة ببيروت، وقلت “لقد أحببنا بيروت بصدق، لكنّنا لم نستطع إليها سبيلًا”. كما تحدثت في مقابلات عن أن وجودك في تركيا كان فرصة للإنتاج و”راحة البال” رغم مصاعب الغربة. من جهة أخرى، أغانيك عن بيروت، مثل “بيروت خيبتنا“، “بيروت خنقتنا“، “عهد التغيير” و”تار“، وأخيرا “بِلبَلِدْ”، تعكس التغييرات في علاقتنا مع المدينة على مر الزمن. فرغم الثأر الشخصي والعام معها، هناك شيء عزيز ومعقد في علاقتنا مع بيروت، نبحث باستمرار عن أماكن تشبهها رغم قبحها وقسوتها، وقد ظهر ذلك مثلًا بسعادتك بعد آخر حفلة لك في بيروت منذ أقل من سنة. هل ما زلت تقول كما في أغنية “هيكسافوبيا“، “ألف غربة ولا ببلدي مرّة موت”؟ وكيف تطورت صورة بيروت بالنسبة لك اليوم؟ كيف تتعامل مع واقع الغربة والإحساس بالإبعاد والانسلاخ المتواصل؟
في الراب نتحدث كثيرًا، والأغنية تكون مليئة بالنصوص، وقد تترك الكثير من الشواهد على تجاربنا السابقة. بدأت في عمر 19 سنة، والآن عمري 37. خلال هذه المدّة، كنت أسجل الأغاني، ومع مرور الوقت تغيرت المواضيع التي أتحدث عنها بشكل كبير. في البداية، كانت بيروت مكانًا نضطر للنزول إليه من الضيعة لعدم وجود فرص عمل وخيارات، غير الانخراط بالجيش أو حزب الله، وكنا نصطدم بالرفض هناك. بيروت كانت عدوتنا.
بعد فترة، عشت في بيروت وضواحيها وفهمت علاقاتها بالأطراف والأحزمة المحيطة بها. ثم بدأت اختبار العيش ضمن هذا الحزام، في ظل أحزاب الأمر الواقع، والغربة التي تبدأ من البيت والبيئة والمحيط الذي أنتمي إليه، قبل أن تكون غربة عن البلد بِرُمَّته. هي غربة قد أشعر بها وأنا في بيتي، عندما أضطر لتغيير شكلي أو ملابسي حتى أعود إلى البيت. فالغربة نسبية، وليست مرتبطة بالجغرافيا والبعد، بل بالشعور بالأمان والحصول على الحد الأدنى من الحقوق. لذا طبعًا، “ألف غربة ولا مرة أموت بأي مكان”. لا أريد الموت، بل النجاة، النجاة عبر الموسيقى، التي هي الشيء الوحيد الذي نجحت فيه في حياتي.
عندما تركت المدينة أواخر عام 2018، وجئت إلى تركيا، كنت غاضبًا ومتشوقًا للهروب. كنت أعتبر نفسي مهاجر ناجٍ. لكن الانتقال إلى تركيا أثّر على طريقة تعبيري وفتح أبعادًا مختلفة. تعلمت لغة جديدة وتعرفت على ثقافة موسيقية جديدة، مما سمح لي بتطوير شخصيتي وفهم الأمور من زاوية جديدة، إذ تحررت من الضغط المستمر الذي كنت أشعر به في لبنان.
مع الوقت والبعد، عادت المودّة تجاه ذلك المكان، خفّ الغضب ولم يعد للعتاب من معنى. للأسف، بعد انفجار بيروت والأزمات المتتالية، بدأت أشعر لأول مرة بأنني أنتمي لهذا المكان وأنا في تركيا. لم يكن سهلًا أن أُعيد حساباتي، خصوصًا أنّه في الوقت ذاته، كنت أرافق والدي المريض، ورأيت كيف تسير الأمور في المستشفيات، وصعوبات الأزمة اليومية. هذا جعلني أفهم أن المشكلة ليست فقط مع المدينة والعلاقات الاجتماعية، وليست فقط مع حزب الله أو الحكومة، بل هي أكبر من ذلك. نحن نخلق أعداء وهميين وندخل في صراعات لا فائدة منها. يجب أن نبدأ بإصلاح أنفسنا. لذالك لم أعد أربط نفسي بصورة الرابر البعلبكي أو اللبناني، بل بشخص يُعبّر بطريقة معينة ولديه رسالة. وهذا يُخفف من غربتي، فنحن غرباء منذ أن نولد، ونبحث باستمرار عن مكان ننتمي إليه.
نظرًا لبعدك عن لبنان وإقامتك في تركيا، كيف تغيرت المواضيع التي تطرحها في موسيقاك وهل تقاطعت مع نضالات عالمية أخرى؟ ما هي العلاقات الموسيقية التي تمكنت من بنائها؟
بحكم وجودي منذ فترة طويلة نسبيًا في تركيا، أصبح الأفق الموسيقي هنا واضح بالنسبة لي. معظم الأشخاص الذين أعمل معهم الآن هم في تركيا، أو أتواصل مع آخرين عن بعد عبر الإنترنت، الذي هو أسهل بكثير مقارنة بلبنان. في تركيا، كانت الأمور جيدة بالنسبة لي كمحطة انتقالية، فهي ليست بلدًا أوروبيًا بحتًا، ولا بلدًا عربيًا بحتًا، بل هي مكان مناسب يمكنني أن أكون فيه. الموسيقى هنا تشبه الموسيقى التي أعمل عليها، أدواتها شرقية نعمل على دمجها مع الموسيقى الغربية بطريقة منطقية دون أن نبتعد كثيرًا عن هويتنا. تعلمت الكثير وبنيت علاقات جيدة هنا. رغم ذلك، أواجه صعوبة في العمل مع الأتراك، لأن المحتوى الخاص بي غير مناسب، وسقف الحرية هنا ليس مرتفعًا، خصوصًا لشخص عربي.
وجودي في تركيا أعطاني فرصة لرؤية الأمور من زاوية أخرى، بدلًا من أن أكون منغمسًا في مشاكل البلاد وأحاول فقط التنفيس عن غضب ما، أستطيع الآن في أعمالي أن أفهمها وأبحث عن حلول لها. في عام 2022، عملت على مقطع موسيقي بعنوان “سفاري“، تناولت فيه موضوع الاستعلاء الأبيض والتاريخ الاستعماري في العالم الثالث، وربطت بين جلب العبيد من إفريقيا والإبادات الجماعية في كندا وإندونيسيا وأستراليا، وبين ما نعيشه ونضالاتنا في لبنان وفلسطين والمنطقة. رغم نقد البعض آنذاك، إلا انه بعد حرب غزة، والدعوة لإبادة شعوب منطقتنا، عاد الناس للتواصل مع نفس المحتوى الذي كنت أتحدث عنه.
أدركت أن الموسيقى ليست فقط أداة للتنفيس عن الغضب، بل يمكن أن تكون مشروعًا بحثيًا جديًا يطرح أسئلة مهمة ويشجع الناس على التفكير. وهذا يعطيني دفعة للاستمرار في هذا المسار.
كيف ترى دور الموسيقى والراب في زمن الإبادة الجماعية وتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم وفضح النفاق العالمي، ولا سيما الأوروبي، بموضوع حقوق الإنسان؟ وهل يمكن أن تكون الموسيقى والحفلات وسيلة للمقاومة والشفاء والعلاج الجماعي في مثل هذه الأوقات؟
هناك جانبين لدور الموسيقى. الجانب الأول شخصي جدًا، حيث أستطيع التعبير عما أستطيع فعله وما هو دوري. على الأقل، أكون قادرًا على القول بأنني فعلت شيئًا، سواء بالكلمة التي أقولها أو بالطاقة التي أعطيها في الحفلة. بالطبع، هذا لا يكفي، لكنه على الأقل يمنحني الشعور بأنني لست مجرد شاهد سلبي على ما يحدث. من ناحية أخرى، الموسيقى، وخاصة الراب، تحمل الكثير من الكلام، من دون ان تكون مقالة تُنشر في جريدة أو مؤتمر، لكن لها القدرة على البقاء لمدة طويلة. في حفلاتي الحالية، أحيانًا أعود لأغاني قديمة صنعتها في عام 2015 خلال ذروة الثورة السورية. هذه الأغاني تُستخدم كشواهد على أحداث معينة، حتى لا تُنسى. في زمن نشهد فيه عمليات غسل أدمغة وإعادة ترتيب أولوياتنا باستمرار، يمكنني استخدام هذه الموسيقى كوسيلة لإعادة شحن الناس ورفع وعيهم تجاه مواضيع معينة.
حاليًا قد لا تكون هناك حاجة لشحن الناس تجاه القضية الفلسطينية، ولكن ربما بعد خمس أو عشر سنوات، ستعيد هذه الأغاني القضية إلى واجهة ذكرياتنا ووعينا، وتؤثر على قراراتنا.
على الصعيد الجماعي، الموسيقى تجمعنا وتُشعرنا بقيمتنا كجماعة. في الحفلات، يشعر الشخص بالانتماء الكامل في الرأي وبالأمان، وبأنه ليس وحيدًا في مواجهة ما يحدث، بل إن صوته يتضاعف بفضل عدد الأشخاص من حوله، مما يُعزز من الثقة كأفراد وجماعة، ويشحن قوة الغضب الموجود داخلنا، ويخلق مساحة للتعبير. لطالما كانت الموسيقى محفزًا شرسًا للنضال، ولطالما تعرض الفنانين والشعراء للقمع بسبب تأثيرهم الكبير على المدى القصير والطويل. فعلى سبيل المثال، دور الموسيقى كان أساسيًا في وضع أسس التحرر للأفارقة الأمريكيين، وفي الثورات في تونس ومصر وإيران وسوريا، من هنا تقاطعية هذه النضالات.
لا يُعد الراب العربي فناً دخيلاً على منطقتنا، إذ يمكن ربطه بالزجل ولغته والتقاليد الموسيقية والشعرية المحلية. كيف تصف نوع اللغة التي ترغب بتقديمها من خلال الراب؟ وما هي اللغة التي قد تفرضها اللحظة الحالية ويمكنك من خلالها تخيّل مستقبل مختلف؟
في التسعينيات، استوردنا موسيقى معينة لفهم الراب. بدأت إنتاجي الموسيقي الرسمي في عام 2009، ولكن قبل ذلك كنت أعمل على تجارِب موسيقية مختلفة وأطلقت أغانٍ بشكل غير رسمي. كنت أستمع إلى تجارِب سابقة من المنطقة، مثلًا من الجزائر، حيث كان هناك فنانون يعملون على الراب منذ الثمانينات وأوائل التسعينات.
الهوية المحلية كانت دائمًا حاضرة في موسيقاي، كما في آخر عمل موسيقي لي “ميلاتونين“، حيث يمكن سماعها في إيقاع الطبل. لكن الراب الذي أفضل الاستماع إليه وصنعه، هو الراب الفج المباشر، الذي لا يحتوي على تشبيهات أو صور شعرية، مثل Keny Arkana وImmortal Technique وDead Prez. هؤلاء الفنانون يتحدثون عن السياسة بشكل مباشر، كما لو كانوا يكتبون مقالات صحفية، ولكن الفرق أنهم يقومون بذلك بشكل موسيقي.
نشأت على الاستماع إلى هذا النوع من الموسيقى، لذلك هذا هو الاتجاه الذي أكتب فيه. في السنة الماضية، عندما أقمت حفلًا في بيروت، كانت أول مرة أتعاون مع Beirut Records، الذين نظموا الحفل. كان هذا التعاون مختلفًا عن حفلات الراب السابقة في البلد. أغلب الحضور لم يكن من الجَمهور المعتاد، بل كانوا أشخاصًا جاؤوا لأنهم تفاعلوا مع المحتوى الذي أقدمه ويرغبون في الاستماع إليه. هذا الأمر يجعلني أشعر بالراحة عندما أكتب، فقد أدركت أنني لا أحتاج إلى التلاعب بالكلمات للوصول إلى الجمهور. هناك جمهور يريد أن يسمع القصة كما هي، وهذا يعطيني مساحة أمان.
أما فيما يخص ما يحدث الآن، فهو منطقي بالنسبة لي ولم أكن أتوقع غير ذلك، أرى فقط أمثلة حية على ما تحدثت عنه مسبقًا، حين قال البعض إن الموسيقى التي أقدمها مظلمة وكئيبة وعنيفة. بعد الأزمة وتغيّر الأحوال، العديد من الذين كانوا ينتمون إلى الطبقة الوسطى وأزعجهم آنذاك هذا المحتوى، أصبحوا الآن يفهمونه ويتفاعلون معه.
البؤس كان موجودًا، لكنه توسع ليشمل المزيد من الناس، والأشخاص الذين تحدثوا عن هذا الصراع لن تتغير لغتهم، بل ستزداد وقاحتها وحِدّتها. لم نعد بحاجة إلى الشرح، فالأحداث الحالية تتحدث عن نفسها. نشاهد قصصًا مروعة وصورًا وفيديوهات، ونقرأ تعليقات حول من يتحمل مسؤوليتها، وفي النهاية نُحمَّل دائمًا مسؤولية موتنا.
بشع أن نضطر في موسيقانا، التي يُفترض أن يكون فيها وجه مشرق، إلى الحديث دائمًا، ليس فقط عن محاولات نجاتنا، بل عن محاولات منع قتلنا بهذه الوقاحة، دون أن نملك أي خيار آخر.