في 20 مايو/أيار 2024، قدّم المدّعي العام للمحكمة الجنائيّة الدّوليّة كريم خان طلباً إلى الدّائرة التّمهيديّة لطلب إصدار أوامر اعتقال بحقِّ قادة سياسيّين وعسكريّين في حركة حماس، بالإضافة إلى رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو ووزير الدّفاع يوآف غالانت. أجرتْ مجلة UntoldMag مقابلةً مع أستاذ القانون تريستينو مارينييلو، وهو أحد أعضاء الفريق القانونيّ الذي يدافع عن ضحايا الجُرف الصّامد في غزّة (2014)، ومسيرة العودة (2018)، وحرب مايو 2021 في المحكمة الجنائيّة الدّوليّة.
لماذا يُعتبر الطّلب الذي قدّمهُ المُدّعي العام للمحكمة الجنائيّة الدوليّة إلى قُضاة الدّائرة التمهيديّة لإصدار مذكّرات اعتقال ضدّ قادةِ حماس ورئيس الوزراء الإسرائيليّ ووزير الدّفاع ذا أهميّة تاريخيّة؟ ما النّقاط التي تُميّزه عن السّياقات الأُخرى؟
إنّ قرار المُدّعي العام للمحكمة الجنائيّة الدّوليّة كريم خان بطلب إصدار أوامر اعتقال ضدّ القادة السياسيّين الإسرائيليّين وضدّ القادة العسكريّين السياسيّين لحركة حماس والجماعات الفلسطينيّة المسلّحة، هو قرار تاريخيّ لعدد من الأسباب: بعد مرور أكثر من 15 عاماً على لجوء دولة فلسطين إلى تدخّل المحكمة الجنائيّة الدّوليّة في الوضع الإسرائيليّ الفلسطينيّ، فهذه هي المرّة الأولى التي نُساعد فيها على اعتماد تدابير فعّالة ملموسة تهدُف إلى وضع حدٍّ للتملّص من العقاب في هذا السّياق. وكان ذلك أحد الأسباب الرّئيسيّة للانتهاكات الخطيرة للقانون الدّوليّ في هذه الحالة، ولا سيما الجرائم الدّوليّة المزعومة.
إنّه أمرٌ تاريخيٌّ بالنسبة للضحايا الفلسطينيّين، لأنّ لا بدائل لهم عن العدالة غير المحكمة الجنائيّة الدّوليّة. ولا يُمكنهم تقديم أيّ شكاوى أمام المحاكم المحليّة في إسرائيل وفلسطين. إنّه أمر تاريخيّ بالنسبة لمنظّمات المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ، لأنّها على مدى أكثر من 15 عاماً، وثّقت الجرائم الدّوليّة المرتكبة في منطقتها أمام اللجنة، وتعاونتْ مع المحكمة الجنائيّة الدّوليّة، ولكنّه تاريخيّ أيضاً بالنسبة للمحكمة الجنائيّة الدوليّة نفسها، لأنّها تُظهر أخيراً قدرتها على تحمّل الضّغوط السّياسيّة وطلب أوامر اعتقال أيضاً ضدّ قادة الدّول الغربيّة القويّة. بعبارة أُخرى، فإنّ الأمر يختلف عن المرّات السّابقة، حيث إنّها المرّة الأولى على الإطلاق التي يطلب فيها مُدعٍ عام دوليّ إصدار أوامر اعتقال ضدّ قادة دولة قويّة، حليفة للدول القويّة، ولا سيما الولايات المتحدة، وهذا حدثٌ أوّل من نوعه، فإنّ جميع التّحقيقات السّابقة أمام المحكمة الجنائيّة الدّوليّة كانت موجّهة نحو مسؤوليات القادة العسكريين السياسيّين للدول الغربيّة، كما هو الحال في أفغانستان والعراق، مع تجنّب النّظر في الوضع الفلسطينيّ.
ما هي احتماليّة أن يُصدِر القُضاة أوامر اعتقال، وكم من الوقت سيستغرق تنفيذ الحكم بهذه التُهم؟
من الصّعب القيام بأيّ تنبّؤ. ما نعرفه حتّى الآن هو أنّ طلبات المُدّعي العام، كما قُدّمتْ، تبدو قويّة للغاية. إنّ الحجج التي قدّمها المُدّعي العام مقنعة جدّاً، على الأقل بما يتعلّق بالجرائم المزعومة التي ارتكبها القادة الإسرائيليّون، فإنّنا نتحدّث عن جرائم وجرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانيّة، والتي وُثّقت بالفعل على نطاق واسع من قبل هيئات المنظّمة الدّوليّة. أفكّر بشكل خاص في جرائم الحرب المتمثّلة في مهاجمة المدنيّين عمداً، على سبيل المثال، تجويع المدنيّين، وهو ما وُثّق عن كثب من قِبل المنظّمات والهيئات الدّوليّة. لم نرَ الأدلّة لأنّها سريّة بالنسبة للمُدّعي العام. من الناحية القانونيّة، هناك احتمال كبير جدّاً لقبول طلبات المدّعي العام كما هي.
لماذا تعتقد أنّ الإبادة الجماعيّة لم تُضمَّن في اتهامات كلا الطّرفين؟ هل يمكن تحديد ذلك لاحقاً خلال التّحقيق الذي لا يزال قائماً؟
من منظورٍ قانونيّ، أجد من الصعب رؤية أنّ الإبادة الجماعيّة قد اُرتكبتْ فيما يتعلّق بهجوم 7 أكتوبر. وليس المقصود من هذا التّقليل من خطورة الهجمات أو التّقليل من مسؤولية مُرتكبيها. وفيما يتعلّق بهجوم 7 أكتوبر على وجه التّحديد، يفتح المُدّعي العام تحقيقاً في كلّ من جرائم الحرب والجرائم ضدَّ الإنسانيّة. ولذلك سيكون لدى المحكمة إمكانيّة تسليط الضّوء والتّأكد من المسؤوليّة في هذه الحالة بالتحديد. وفي الوقت نفسه، تمَّتْ مناقشة وتوثيق أنّ هناك إبادة جماعيّة مُحتملة تحدث في قطّاع غزّة. أعتقد أنّ سبب عدم تضمينها في الاتهامات هو أنّ المُدّعي العام، كما قال لشبكة CNN، يُريد التّركيز على الجرائم التي يرى أنّ لها احتمالاً واقعيّاً للإدانة: وبالتالي يُريد أن يبدأ بأقوى القضايا التي يُمكنه تقديمها أمام المحكمة الجنائيّة الدّوليّة. وبحسب أقواله، إنّ تُهمة الإبادة الجماعيّة قد تبدو في هذه المرحلة غير قويّة مثل الجرائم الأُخرى التي يُثيرها أمام الدّائرة التّمهيديّة. ولكن هذا لا يعني أنّ اتهامات الإبادة الجماعيّة لا يُمكن تناولها في مرحلة لاحقة. وينطبق هذا أيضاً على جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانيّة الأُخرى، خاصّة إذا توصّلتْ محكمة العدل الدّوليّة في الأشهر أو السّنوات المقبلة إلى نتيجة مفادها أنّ الإبادة الجماعيّة تُرتكب في إسرائيل.
لماذا تعتقد أنّ المُدّعي العام للمحكمة الجنائيّة الدّوليّة لا يذكر السّياق التّاريخيّ للاحتلال العسكريّ في الاتهامات؟ ولماذا يجب عليه أم لا؟
بدايةً، يجب علينا إلقاء نظرة على ما قدّمه إلى الدّائرة التّمهيديّة. ما لدينا حتّى الآن هو تصريحات عامّة منه أو من قِبل لجنة مستقلّة من الخبراء الذين ساعدوه وهذا الفريق. لذلك أنا لا أعرف ما هو مُدرَج وما هو غير مُدرَج. يُمكننا التّكهّن بأنّ السّياق التّاريخيّ لم يُتضمَّن على الأقلّ في البيان لأنّه لا يرتبط بشكل وثيق بعناصر الجرائم التي يلفتْ انتباه الدّائرة التّمهيديّة إليها، ومن ثمّ لا صلة لها بجرائم الحرب. ولا يُعتبر السّياق ذا صلة إلّا عندما يكون متعلّقاً بالجرائم ضدّ الإنسانيّة. في هذه القضيّة، السيّاق هو سياق الهجمات واسعة النطاق والمنهجيّة ضدّ السّكّان المدنيّين في غزّة، لكنّني رأيتُ أنّ المُدّعي العام كان يذكر أيضاً في المقابلة حصار غزّة، الحصار المفروض على غزّة منذ 17 عاماً. لذلك، في حين أنّ السّياق التّاريخيّ لم يُذكر صراحةً في الوثائق العامّة، إلّا أنّ هناك تركيزاً على السّياق في غزّة والحصار المفروض، وهذا مهمّ بشكلٍ خاص عندما يتعلّق الأمر بالجرائم ضدّ الإنسانيّة. أنا أؤكّد دائماً على أهميّة إدراج الجرائم ضدّ الإنسانيّة في قائمة الجرائم هذه بشكل رئيسيّ لهذا السّبب: لأنّه من خلال القيام بذلك، اعترف المُدّعي العام بالسّياق الذي تحدث فيه هذه الجرائم. وحتّى لو لم تكن المحكمة مختصّة بأخذ الوقائع أو الجرائم التي تكشّفتْ قبل عام 2015 بعين الاعتبار، فلا يزال بإمكاننا القول بأنّ ما حدث قبل يونيو/حزيران 2014 مهم لفهم الوضع الحاليّ.
يرتكز إرثُ المحكمة الجنائيّة الدّوليّة على محاكمات نورمبرغ، أي المحرقة أو الهولوكوست. لكن الكثيرين يعتبرون مذكّرات الاعتقال هذه الصّادرة بحقِّ القادة الإسرائيليين مُعادية للساميّة.
حسناً، بصراحة، تعرّضتْ المحكمة الجنائيّة الدّوليّة لهجمات من قبل السّلطات الإسرائيليّة في كلّ مرّة كانت هناك شائعة عن احتمالية فتح تحقيق ضدّ القادة الإسرائيليّين. لذلك هناك سوابق مشابهة. عندما كانت المُدعيّة العامّة السّابقة للمحكمة الجنائيّة الدّوليّة، فاتو بنسودة، تختتم التحقيق الأوليّ في ديسمبر/كانون الأول 2019، قالتْ إنّها وجدتْ أدلّة على أنّ جرائم حرب ارتكبها إسرائيليون خلال عمليّة “الجُرف الصّامد“، وهي عمليّة عسكريّة في غزّة في عام 2014، متعلّقة بمسيرة العودة عام 2018 والمستوطنات. تعرّضتْ المُدعيّة العامّة آنذاك لهجوم شديد من قبل رئيس الوزراء نتنياهو الذي اتهمها بمعاداة السّاميّة.
وحذتْ إدارة ترامب حذوها، فلم تُهاجم المُدّعية العامّة فحسب، بل أصدرتْ أيضاً ما يُسمّى بالأوامر التنفيذيّة التي تفرض عقوبات عليها. والآن تفعل الحكومة الإسرائيليّة الشّيء نفسه: مهاجمة المُدّعي العام والمحكمة، وتطبيق نموذج معاداة السّاميّة. وهذه الاتهامات بالطبع لا أساس لها من الصحّة على الإطلاق. والأمر معكوس: فللمرّة الأولى، يُظهر المُدّعي العام استقلاليّة وحياد مكتبه، أي المحكمة التي تُجري التّحقيق. ولا يوجد أي مُبرّر لهذه الجرائم. وشدّد رئيس الوزراء نتنياهو على أنّ إسرائيل دولة ديمقراطيّة عندما وصف المُدّعية العامّة بأنّها معادية للساميّة. بدون الخوض في تعريف الدّيمقراطيّة، ما سأقوله هو أنّه في ظلّ مجموعة المحكمة الجنائيّة الدّوليّة، فإنّ كونك قائداً مُنتخباً ديمقراطيّاً لا يُشكّل أساساً لتجنّب مختلف المسؤوليات. إنّ حقيقة أنّك منتخب بشكل ديمقراطيّ لا تعفي اللجنة من ملاحقتك بتهمة ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضدّ الإنسانيّة أو الإبادة الجماعيّة.
لماذا الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا والصّين ليستْ دولاً أعضاء في المحكمة الجنائيّة الدّوليّة؟ ماذا يعني في هذه الحالة؟
هي ليست جزءاً من المحكمة الجنائيّة الدّوليّة لأسباب سياسيّة وليس قانونيّة، لأنّها لا تقبل أيّ قيود على سيادتها الوطنيّة في شؤون العدالة الجنائيّة. وهذا يعني أنّها لا تعترف بتدخّل المؤسّسات فوق الوطنيّة في شؤونها الدّاخليّة. علينا أن نتذكّر أنّ القانون الجنائيّ هو أكبر تعبير عن السّيادة الوطنيّة، ومن الصّعب دائماً على الدّول، ولا سيما الدّول القويّة، قبول القيود عندما يتعلّق الأمر بهذا الشّكل الكبير من التّعبير عن الهويّة الوطنيّة والسّيادة الوطنيّة.
كيف يمكن أن يؤثّر ذلك على الوضع الحاليّ؟ ليس لدى هذه الدّول أيّ التزام قانونيّ بالتّعاون مع المحكمة الجنائيّة الدّوليّة. فهي ليست ملزمة، على سبيل المثال، بتسليم الأدلّة التي قد تمتلكها فيما يتعلّق بارتكاب الجرائم المزعومة. وهذا يعني أنّها ليست ملزمة باعتقال المشتبه بهم إذا كان لا بدّ من إصدار أوامر اعتقال وتسليمهم إلى لاهاي. يُمكنها فعل ذلك، لكنّ هذا سيكون بمثابة تقدير سياسيّ، أكثر من كونه التزاماً قانونيّاً. وبطبيعة الحال، لا ينطبق هذا على الدّول الأطراف المُلزمة قانونيّاً منذ أن صادقتْ على نظام روما الأساسيّ للمحكمة الجنائيّة الدّوليّة. وأودُّ إضافة أنّ حقيقة أنّ الدّول غير الموقّعة ليس لديها التزام قانونيّ بالتّعاون مع المحكمة، لا يعني أنّها تستطيع أن تفعل ما تُريد. لا يمكنها تهديد المحكمة الجنائيّة الدوليّة ولا يمكنها عرقلة العدالة. في الأسابيع القليلة الماضية، على سبيل المثال، ساعدنا في مواجهة التّهديدات والتّحذيرات الخطيرة من قِبل أعضاء مجلس الشّيوخ الأمريكيّ الذين أرسلوا رسالة إلى مكتب المُدّعي العام، هدّدوا فيها هذا الأخير بوضوح، وقالوا إنّ هذا بمثابة تحذير في حالة متابعة أوامر الاعتقال ضدّ القادة الإسرائيليّين. من الواضح أنّ هذا ليس جزءاً من التّقدير السياسيّ ويتجاوز الخطَّ الأحمر. والخطَّ الأحمر هنا هو أنّ هذا قد يرقى إلى مستوى جريمة بموجب نظام روما الأساسيّ، ولا سيما بموجب المادة 70 من نظام روما الأساسيّ، الذي ينصُّ على أنّ تخويف مسؤوليّ المحكمة الجنائيّة الدّوليّة من أجل إقناعهم باتخاذ قرار قد يُعتبر جريمة، وبالتالي يمكن محاكمة الأفراد الذين يمارسون هذه الضّغوط أمام المحكمة الجنائيّة الدّوليّة.
إنّ التّهديدات التي تلقّاها المُدّعي العام للمحكمة الجنائيّة الدّوليّة لم تمنعه من العمل على الأدلّة ومواصلة التّحقيق. فهل لهذه التّهديدات سوابق؟ وما هي العواقب القانونيّة؟
سأجيب أولاً على الشَق المتعلّق بالسّوابق. كما ذكرت سابقاً، هناك سوابق مهمّة قادمة أيضاً من الولايات المتحدة وإسرائيل. إنّ هجمات نتنياهو ليست جديدة. لقد حدثتْ في الماضي وجاءتْ أقوى الهجمات على المحكمة الجنائيّة الدّوليّة من إدارة ترامب. اعتمد الرّئيس السّابق ترامب ما يُسمّى بالأوامر التّنفيذيّة، حيث يُعدّ الأمر التنفيذيّ في الولايات المتحدة جزءاً من سلطة الطّوارئ، لأنّه يتجاوز الإجراء العاديّ لاعتماد القوانين التّشريعيّة. وبذلك فرض الرّئيس الأمريكيّ عقوبات ماليّة وتقييدات لحركة المُدّعية العامّة السّابقة وموظّفيها. لقد كان الأمر غير مسبوق على الإطلاق، لأنّ السّلطات الأمريكيّة تستخدم عموماً الأوامر التّنفيذية ضدّ مُرتكبيّ الجرائم الدّوليّة، ومُرتكبيّ الانتهاكات الجسيمة لقانون حقوق الإنسان، والاتجار الدّوليّ بالمخدّرات. كانت هذه هي المرّة الأولى التي تُستخدم فيها ضدّ مؤسّسة دوليّة لديها صلاحيّة تطبيق سيادة القانون. واليوم، في الولايات المتحدة، يناقشون مرّة أُخرى إمكانيّة تبنّي هذه العقوبات.
لقد تحدّثنا عن التّهديدات، وأودُّ أن أؤكّد أنّه كانت هناك أيضاً بعض الانتقادات المثيرة للقلق بشدّة من جانب الدّول الأطراف تجاه المحكمة الجنائيّة الدّوليّة. وأنا أشير بشكل خاص إلى المملكة المتحدة والنمسا وجمهورية التشيك وإيطاليا وألمانيا، ولكن بطريقة مختلفة. على سبيل المثال، بدا ردُّ فعل حكومة المملكة المتحدة مقلقاً بشكل خاص في تدخّلها في المحكمة الجنائيّة الدّوليّة. ويأتي هذا من دولة طرف في المحكمة الجنائية الدّوليّة، والتي، بعكس الولايات المتحدة، ملزمة قانوناً بالتّعاون، سواء وافقتْ على التّحقيق أم لا. هذا ليس تقديراً سياسيّاً، ويجب على الدّول الموقّعة أن تتعاون. إنّه أمر مثير للقلق بشكل خاص، لأنّ هذه الدّول دعمتْ بشكل عام المحكمة الجنائيّة الدّوليّة بشكل كامل في مواقف أُخرى، على وجه الخصوص، بالقضايا المتعلّقة بقضية أوكرانيا. المشكلة تكمن مرّة أُخرى في تطبيق سياسة المعايير المزدوجة، والتي، كما نؤكّد دائماً، هي المشكلة الرّئيسيّة في الوضع الإسرائيليّ الفلسطينيّ. ومن ثمّ فإنّ إدانة الحكومتين البريطانيّة والألمانيّة للمحكمة الجنائيّة الدّوليّة أمر مثير للقلق بشكل خاص، خاصّة وأنّ هاتين الدّولتين من المانحين الرّئيسيّين، بالإضافة إلى كونهما المؤسّسين للمحكمة الجنائيّة الدّوليّة. ويمكنهم بالفعل نسف مشروع العدالة الدّوليّة برمّته.
أنت جزء من الفريق القانونيّ الذي يدافع عن ضحايا الجُرف الصّامد (2014)، ومسيرة العودة (2018)، وحرب مايو 2021. ما هي خطواتك التّالية؟ ماذا يعني هذا الطّلب بالنسبة لك؟
بدايةً، بالطبع، كممثلين قانونيّين لضحايا حرب غزّة عام 2014، ومسيرة العودة الكبرى عام 2018، وحرب مايو 2021، فإنّ توقّع الضّحايا الذين نُمثّلهم هو أنّ المُدّعي العام لن يُبطّئ هذا التّحقيق وسيمضي قُدماً في المستقبل القريب نسبيّاً. وبعبارة أُخرى، نأمل أن يطلب أوامرَ اعتقالٍ فيما يتعلّق بجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانيّة الموثّقة على نطاق واسع كما ذكرتْ المُدّعية العامّة السّابقة عندما فتحتْ التّحقيق، وهذا في أقرب وقت ممكن. هذا هو التوقّع نيابة عن الضّحايا، ومرّة أُخرى، لأنّه ليس لديهم أيّ بدائل للعدالة، سيكون دورنا الآن هو انتظارُ قرار الدّائرة التّمهيدية أوّلاً. إذا أُصدرت أوامر الاعتقال، من وجهة نظر المحكمة الجنائيّة الدّوليّة، فهذا يعني أنّ القضايا قد بدأتْ، وإذا بدأتْ القضايا، فسيكون لدينا إمكانيّة تقديم طلبات الضّحايا، أي طلبات نيابة عن ضحايا الجرائم التي ذكرها المُدّعي العام في طلبه. سنبدأ بالقيام بذلك من أجل الاعتراف بهم رسميّاً كضحايا أمام المحكمة الجنائيّة الدّوليّة، حتّى يتمكّنوا من المشاركة في الإجراءات، وفي مرحلة التّوصيف، وربّما في مرحلة المحاكمة. وبموجب نظام روما الأساسيّ، فإنّ المشاركة في الإجراءات تعني أنّنا سنكون في وضع يسمح لنا بالتّصرّف بالنيابة عنهم، وبالتالي التّعبير عن آرائهم ومخاوفهم.
إذا أتيح لنا من قِبل القُضاة، يمكننا تقديم الأدلّة، ويُمكننا مقابلة الشّهود، ويمكننا تقديم ملاحظات أوليّة وختاميّة أثناء الإجراءات. ولأوّل مرّة، هناك دور مهم في العدالة الجنائيّة الدّوليّة، حيث تتاح للضحايا المعترف بهم إمكانيّة اتخاذ إجراء مباشر في الإجراءات من خلال تقديم الأدلّة. ستكون خطوتنا الأولى هي التّالية: تقديم طلبات ضحايا الجرائم المذكورة إلى المحكمة حيث سيُوافق عليها من قبل القُضاة ومطالبة القُضاة بالاعتراف رسميّاً بوضعهم كضحايا أمام المحكمة الجنائيّة الدّوليّة.
كيف يمكن قراءة مذكّرات الاعتقال الموازية لكلّ من قادة إسرائيل وحماس؟ ماذا يعني ذلك بما يخصّ معادلة الطّرفين وأدوارهما ومسؤولياتهما في هذه الحرب؟ فقد رحّبتْ ألمانيا، على سبيل المثال، بمذكّرات الاعتقال الصّادرة بحقّ قادة حماس، ولكنّها اعترضتْ على محاكمة أو ملاحقة القادة الإسرائيليّين بنفس الطّريقة وبتهمٍّ مماثلة.
هذا ليس من ضمن صلاحيّات ألمانيا، وليس من صلاحيّات أيّ هيئة سياسيّة. أي أنّ هذا لا يدخل في صلاحيّات أيّ دولة. هذا هو عمل المحكمة الجنائية الدّوليّة. لقد أكّدتْ ألمانيا دائماً على دعمها في ظلّ المحكمة الجنائيّة الدّوليّة. ويجب أن يحدث نفس الشّيء أيضاً فيما يتعلّق بالوضع في فلسطين. إلّا أنّ الخطر يكمن في تقويض المحكمة، وليس هذا التّحقيق فحسب، بل نسف مشروع العدالة الدّوليّة برمّته.
من وجهة نظري القانونيّة، فإنّ مكتب المُدّعي العام لديه صلاحيّة التّحقيق في الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينيّة أو من قبل مواطنين فلسطينيّين في الخارج، وهذا ما يفعله. وبالتالي، فإنّ 7 أكتوبر والهجمات والجرائم المزعوم ارتكابها على الأراضي الفلسطينيّة في غزّة تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائيّة الدّوليّة. وسيكون من المفاجئ للغاية وغير المقبول من الناحية القانونيّة أن يقوم المُدّعي العام بالتحقيق مع جانب واحد فقط. حيث سيكون ذلك بمثابة الضّربة القاضية لشرعيّة ومصداقيّة هذه المؤسّسات، خاصّة في ضوء خطورة الوضع في غزّة والجرائم الدّوليّة الموثّقة بشدّة.
وبخلاف ما تُجادله بعض الدول، فإنّ الأمل هو أن يقوم مكتب المُدّعي العام بتوسيع نطاق التّحقيق فيما يتعلّق بالجرائم المزعومة التي ارتكبها القادة السّياسيّون والعسكريّون الإسرائيليّون لأنّ الجرائم الأُخرى موثّقة على نطاق واسع ولم تُضمّن في هذا الطّلب. وأشير على سبيل المثال إلى التّهجير القسريّ لمليونيّ شخص في قطّاع غزّة، وهو ما يرقى إلى مستوى جريمة حرب وجريمة ضدّ الإنسانية متمثّلاً في إمكانية النقل. أنا أتحدّث عن الإبادة الجماعيّة نفسها، والتي ثبُتَ بالفعل أنّها معقولة في هذه القضيّة. وأشير أيضاً إلى جميع الجرائم المرتكبة ضدَّ الأسرى الفلسطينيّين على سبيل المثال. من المثير للدهشة أنّه لا توجد في هذا التّحقيق أيّ إشارة إلى الجرائم الموثّقة المُرتكبة ضدّ الأسرى الفلسطينيين.
وبالطبع، سأذكر أيضاً الجرائم المُرتكبة في الضّفّة الغربيّة، متضمّنة القُدس الشّرقيّة، بما فيها تلك التي يرتكبها المستوطنون. لماذا ليسوا في قائمة الجرائم هذه؟ إنّه أمر مثير للدهشة بالنظر إلى أنّها موثّقة أيضاً على نطاق واسع. لذلك، وعلى عكس ما تقوله ألمانيا أو دول أُخرى، فإنّ المفاجأة هنا من النّاحية القانونيّة ليست في إدراج قادة إسرائيليين كموضوع لطلب مذكّرات الاعتقال، المفاجأة هنا أنّه لا يوجد أيّ قادة سياسيّين وعسكريّين إسرائيليّين آخرين. أنا متأكّد من أنّه على الأقلّ فيما يتعلّق بالقادة الإسرائيليّين، ستأتي أو ينبغي أن تأتي طلبات أُخرى لمذكّرات الاعتقال في المستقبل القريب. لقد أدرج المُدّعي العام في قائمة جرائم الحرب ضد القادة الإسرائيليين الهجمات المتعمّدة ضدّ المدنيين في قطّاع غزّة. فكيف يمكن ألّا يكون هناك قائد عسكريّ مذكور في مُذكّرات الاعتقال؟ إذا كانت هناك هجمات متعمّدة ضدّ المدنيين، فمن المؤكّد أنّه يجب محاسبة القادة العسكريّين الذين يُخطّطون ويوجّهون لتنفيذ هذه الهجمات. ونأمل، في أقرب وقت ممكن، أن يكون هناك قادة سياسيّون وعسكريّون إسرائيليّون آخرون يخضعون لأوامر اعتقال أو على الأقل طلبات لفعل ذلك.