في وجه الإبادة غير المسبوقة التي تُرتكب بحقّ الشعب الفلسطيني من قبل دولة إسرائيل الصهيونية، بدعم من سلطات دول الشمال العالمي، شكّلت النساء والنسويات والمثليات والمتحولات جنسيًا وصاحبات الهويات الجندرية المتعددة من دول الجنوب العالمي شبكة لتنسيق الأعمال النسوية العابرة للحدود تضامنًا مع فلسطين.
تشكّل شبكة “العمل النسوي العالمي” (AFG) مساحة متنوّعة تضمّ نساءً ونسوياتٍ وأعضاء مجتمع الميم من السكّان الأصليين وصاحبات البشرة السوداء من أصل إفريقي والرايزاليس* والمهاجرات والمزارعات والأكاديميات والطالبات والصحافيات وعاملات الرعاية وقادة المجتمع والنقابيات والفنّانات والمحاميات وحماة الأرض والمعالجات بالطبّ التقليدي والرفيقات ذوات التجارب الحياتية المتنوّعة التي تتحدّى الحدود بين الريف والمدينة وغيرها من المسارات المؤثّرة في عملية البناء المستمرّة لهذه المساحة. نحن أعضاء المنظمات السياسية وناشطات مستقلّات وجزء من تجمّعات نسوية وغيرها من المجموعات المتنوّعة.
كنّا قد كرّسنا حواراتنا في اجتماعاتنا العابرة للحدود التي تضمّ أصوات من بلدانٍ مختلفة كتشيلي وكولومبيا والأرجنتين والإكوادور وبيرو والولايات المتحدة وإسبانيا وفرنسا وأوروغواي والبرازيل وبوليفيا والمكسيك وألمانيا وبلجيكا وفنزويلا وإنجلترا وغيرها، لصياغة توجيهاتٍ نظرية وعملية وسياسية مشتركة بهدف إقامة روابط متينة بين الوضع الحرج في فلسطين وبلدان الجنوب العالمي التي نختبرها نحن كأعضاء هذه الشبكة. لقد وصفنا احتلال فلسطين على أنّه انعكاسًا للعولمة الاستعمارية والأبوية والرأسمالية التي ارتكبتها بلدان دول الشمال العالمي على مرّ العقود والقرون، ما أثّر بشكلٍ خطير على حقوق الفرد والأرض والمجتمعات.
نحن نعي أنّ تاريخنا مشترك، يرتبط بتجارب الاستعمار والإمبريالية والرأسمالية الهمجية واستخراج الثروات، التي فرضتها مراكز القوة الاقتصادية والسياسية في العالم والتي عادةً ما تنتهك حرية الشعوب في تقرير مصيرها. إضافةً إلى ذلك، نؤكّد بأنّ سياسية الاستيطان والتوسّع الإسرائيلية تتجاوز حدود فلسطين وتهدّد أراضي أبيا يالا من خلال البيع المتفاقم للأسلحة وأنظمة المراقبة والتحكّم بالمنظّمات والأفراد التي يتمّ تسويقها في أمريكا اللاتينية بالتزامن مع نشوء شركات استخراجية جديدة كالشركة الإسرائيلية “ميكوروت” التي تقوم بسلب الموارد من جهة وتتحمّل مسؤولية العقاب الجماعي في غزّة لحرمانها 2،3 مليون نسمة من المياه.
لقد شهدنا أيضًا على ادعاءات إسرائيل بأنّها “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” وعلى ترويجها لسياستها المزعومة الداعمة للمرأة والتنوع الجنسي والجندري. مع ذلك، بينما يحاول هذا الكيان غسل صورته من خلال استلائه على كفاحاتنا وتطلّعاتنا ورغباتنا، فالحقيقة تقول بأنّ إسرائيل لا تزال مستمرّة في ارتكاب أعمال العنف والقتل ضدّ النساء الفلسطينيات و المعارضات والأطفال وتعزيز القمع الأبوي عبر الأراضي المحتلّة. نحن، كنسويات، نقول بوضوح: هذا ليس بإسمنا!
هنا، نشهد على أنّ النساء الفلسطينيات لا يقاومن هذا القمع داخل فلسطين فحسب، بل أيضًا يقفن في وجه وحشية الاستعمار والاحتلال الإسرائيلي. وبالتالي، تدافع النسويات الفلسطينيات في وجه التوسع الاستيطاني عن حياة النساء والمثليات والمتحولات جنسيًا وصاحبات الهويات الجندرية المتعددة وحقوقهنّ، مقاومات بذلك جميع أشكال العنف والسيطرة.
25 نوفمبر: العمل النسوي العالمي من أجل فلسطين
في هذا السياق، تعتبر النسويات المناهضات والمعارضات للاستعمار والرأسمالية في أبيا يالا والجنوب العالمي بأنّ التضامن مع النساء الفلسطينيات والشعب أمرٌ ضروريّ. لذا، أُطلق عملٌ عالميّ موحّد في سياق الخامس والعشرين من نوفمبر المعروف ب 25N، أي اليوم الدولي لمكافحة العنف الجندريّ. تمّ تنفيذ هذه الخطّة في جميع البلدان المشاركة مع مراعاة عوامل متعدّدة كسهولة استنساخ الأعمال في مناطق مختلفة (مع سماتها وخصوصياتها) والترابط مع جداول الأعمال والأهداف السابقة لكلّ بلدٍ في سياق 25N.
التضامن السياسي
بعد أسابيع من النقاش السياسي والوصول إلى توافقٍ شاملٍ بين التجمعات النسوية والمنظمات السياسية والنشطاء، تمّ صياغة البيان النسوي من أجل فلسطين كنداء لتعزيز القضية الفلسطينية كقضية نسوية. لم نخترع شيئًا: ردّدنا بكلّ بساطة التأثير العميق لجريمة الإبادة على أراضينا وحركاتنا. كانت وجهتنا الأساسية الدفاع عن حياة الفرد وتعزيز التضامن الدولي من خلال ربط حاضرنا وذاكرتنا الجماعية بالحاضر الموجع للشعب الفلسطيني. تُرجم هذا البيان فورًا إلى عشر لغات ما سلّط الضوء على الامتداد الدولي والنضالي لشبكاتنا النسوية. تمّت قراءته أيضًا بشكلٍ متزامن في العشرات من البلدان والمدن حول العالم واعتمدته الحركة النسوية العابرة للحدود كأداة للحوار وبناء القضية الفلسطينية كقضية نسوية.
التضامن المعنوي
نحن كنسويات تعلّمنا انّ السياسة تُصنع أيضًا من القلب والتضامن اللّذان يعزّزان العواطف التي تنكشف خلال الممارسة. من اليوم الأول للاجتماعات، رأينا صورةً موحّدة: الحجاب المربوط بالكوفية، نسجٌ حسّاس يعبر أراضينا ويؤكّد هويتنا كنسويات مناهضات ضدّ الاستعمار. هذه الصورة، كالبيان النسوي، عبرت أكثر من 40 دولةً انضمت إلى التحرّك العالمي: لافتات وملصقات وأعلام مرسومة يديويًا ووشاحات وكوفيات بنفسجية في مؤتمر بوينس آيرس، الأرجتنين وفي التحركات المرتبطة به. شكّلت هذه الصورة مثالًا للتضامن النسوي العابر للانتماءات. أمّا وجه الاحتضان الثاني، فيأتي من قلب مناطقنا التي تواجه الفكر الاستعماريّ من خلال كتابة أغنية لفلسطين باعتبار التقليد الغنائي وسيلة لربط السياسة بالتضامن والألم والظلم الذي نمرّ به. لذا، أخذت أغنية “Que la tortilla se vuelva” (أي لنغير الواقع رأسًا على عقب) هيأةً وصوتًا جديدًا. بدءًا بالثورة الإسبانية ومرورًا بالحزام البوليسي في تشيلي خلال السبعينات والأغنية التشيلية الجديدة، حوّلنا هذه الألحان إلى صوتٍ تضامنيٍّ مع فلسطين وشعبها. هكذا نكون قد شاركنا مرّةً أخرى في مسيرة النضال والتضامن بين الشعوب. في كولومبيا وتشيلي ومحطات القطار وشوارع المدن الكبرى والقرى الصغيرة سمعنا الهتافات التالية: “فلسطين ليست وحدها/إستمرّي حتّى النصر/الحقيقية والعدالة والذاكرة“.
ماذا بعد؟
بعد الخامس والعشرين من نوفمبر ومع هدنة قصيرة، تتزايد حدّة المذابح وتتقدّم دولة إسرائيل الصهيونية جوًّا وبرًّا عبر الأراضي في قطاع غزّة، كاشفةً عن هدفها التوسّعي والإباديّ. النسويات يعلمن: هذه النكبة الجديدة هي هجومٌ ضدّ جميع شعوب العالم. نعلم أيضًا بأنّ التطهير العرقيّ الذي يقوم به الصهاينة في الأراضي الفلسطينية يسعى إلى ترسيخ مبدأ الإلغائية للشعوب المضطهدة وتبرير العنف ضدّ الذين يقاومون الاحتلال وتعزيز اليمين واليمين المتطرّف في العالم.
ندين أيضًا الاضطهاد الذي يقوم به اللوبي الصهيوني وحلفاؤه في مناطقنا ضدّ النشطاء المتضامنين مع فلسطين: القضايا الجنائية بتهم “التمييز” ومحاولة تغيير القوانين لمنع أعمال التضامن ضدّ الفصل العنصري والفصل عن العمل وإزالة الأعمال الفنية وتهديدات قانونية ضدّ الشخصيات العامة، هي بعض من المحاولات لإسكات أصوات الملايين حول العالم. نعلن إذًا أنّهم لن ينجحوا في إيقافنا عن الحديث عن فلسطين.
ندعو إلى تعزيز التضامن والتنظيم الدولي لوقف الإبادة المستمرّة حتّى تتحرّر فلسطين، من النهر إلى البحر: دافعوا/ن عن الأطفال للدفاع عن المستقبل، ودافعوا/ن عن الكبار للدفاع عن الذاكرة الجماعية.
من أبيا يالا إلى فلسطين: المقاومة النسوية!
وقف إطلاق النار الآن! إنّها ليسن حربًا، إنّها إبادة!
كفى احتلال وفصل عنصري! فلسطين حرّة!
*الرايزاليس هم شعب من أصل إفريقيّ في أرخبيل سان أندريس وبروفيدينسيا وسانتا كاتالينا.