بغضّ النظر عن النتائج، فإنّ ما حدث في بنغلاديش منذ منتصف تموز/يوليو يُعتبر مذهلاً. ما بدأ كحركة طلابيّة لإصلاح نظام “الحصص” في الجامعات والتوظيف الحكوميّ، تحوّل إلى حركة جماهيريّة واسعة النطاق في غضون أسبوع. نظام “الحصص” هو إجراء تصحيحيّ لضمان حصول الفئات المهمّشة على فرص متساوية وتمثيل عادل. الحصّة التي أثارتْ حركة الطلاب هي تخصيص 30% من جميع الوظائف الحكوميّة والأكاديميّة لأفراد عائلات مقاتلي حرب تحرير بنغلاديش.
في الواقع، استخدم حزب رابطة عوامي الحاكم هذه الحصة بشكل أساسيّ لصالح مؤيديه. حكمتْ رابطة عوامي، وهي أحد الأحزاب السياسيّة الرئيسيّة وأحد الأطراف المشاركة في كفاح الاستقلال، بنغلاديش بطريقة استبداديّة لعقد من الزمن تحت رئاسة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة، ابنة الشيخ مجيب الرحمن، “الأب المؤسّس” لبنغلاديش الحديثة.
عندما اندلعتْ الاحتجاجات، واجهتْ حسينة الطلاب بقوّة غير مسبوقة، أوّلاً عبر ميليشياتها السياسيّة الخاصّة ثمّ عبر القوّات الحكوميّة، ممّا أسفر عن مقتل مئات المتظاهرين. أدّتْ وحشيّة الاستجابة إلى غضب واسع النطاق وموجات من الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد.
واجهتْ حكومة الشيخة حسينة احتجاجات في السابق، ولجأتْ دوماً إلى القمع العنيف. هذه المرّة، لم يكن العنف كافياً: ما بدأ كحركة طلابيّة في منتصف تموز/يوليو نما بحلول الأسبوع الأوّل من آب/أغسطس ليُصبح ثورة شعبيّة واسعة النطاق، توّجتْ بمسيرات ضخمة في العاصمة دكا، وأجبرتْ رئيسة الوزراء على الاستقالة والفرار من البلاد.
ثورة قيد التشكيل منذ زمن
كما يحدث غالباً، تبدأ الثورات من مطالب بسيطة أو “حادثة صغيرة”، ولم تكن هذه الحالة استثناءً. عانتْ بنغلاديش لأكثر من عقد من الزمن تحت نظام استبداديّ، خُنقتْ فيه العمليّات الديمقراطيّة، ونُفيَ وقتلَ المعارضون، وزوِّرتْ الانتخابات، والأهم من ذلك، أصبحتْ البلاد موقعاً رئيسيّاً للاستغلال الرأسماليّ النيوليبراليّ.
غالباً ما تعكس المؤشرات الاجتماعيّة والاقتصاديّة قصّة مختلفة عن الواقع. وفقاً للبنك الدوليّ، فإنّ “بنغلاديش تحكي قصّة رائعة”، حيث رفعتْ نفسها من واحدة من أفقر دول العالم إلى دولة ذات دخل متوسط.
لكن، كما يحدث غالباً، يمكن أن تكون البيانات مُضلّلة. أحد التطورات الرئيسيّة هو أنّ البلاد أصبحتْ مركزاً لصناعة النسيج في العالم منذ أوائل العقد الأوّل من القرن الحالي. في الواقع، من المحتمل أنّك تقرأ هذا النص وأنت ترتدي قميصاً مصنوعاً في بنغلاديش. وصلتْ إنتاجيّة صناعة النسيج إلى ذروتها في العقد الماضي. وفقاً لبيانات مكتب ترويج الصادرات المحليّ، في السنة الماليّة 2021-2022، صدّرتْ بنغلاديش ملابس بقيمة 42.613 مليار دولار، ممّا يجعلها ثاني أكبر مصدر للملابس في العالم.
في حين أنّ هذا يعني المزيد من الثروة في أيدي الطبقة الرأسماليّة، إلّا أنّ الوضع الاجتماعيّ والاقتصاديّ للعمّال بالكاد تغيّر. ماتَ الآلاف من العمّال في حوادث مختلفة في المصانع خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، حيث أنّهم بالكاد يتمتّعون بأيّ حقوق عماليّة وظلّتْ أجورهم ثابتة. فبما أن حوالي 85% من القوى العاملة يعملون في وظائف غير رسميّة، فإنّ الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة للكثيرين في البلاد لم تشهد نوع التنمية الذي وصفته الاتجاهات الكلية.
بالإضافة إلى ذلك، رغم أنّ نمو الناتج المحليّ الإجماليّ لبنغلاديش ظلّ مرتفعاً نسبيّاً بين الدول النامية، إلّا أنّها ظلّتْ إلى حدّ كبير دولة تستورد أكثر ممّا تُصدّر. بجانب صناعة النسيج، يُعدّ أكبر صادرات بنغلاديش هو رأس المال البشريّ. يعيش حوالي 7.4 مليون بنغلاديشيّ في الخارج، ممّا يجعلها سادس أكبر دولة من حيث الهجرة. وتظلّ الجالية البنغلاديشيّة، التي غالباً ما تتكوّن من عمّال يعيشون في الخارج مع حقوق عمل محدودة أو بدون وثائق قانونيّة، مصدر دخل ماليّ حيويّ للبلاد. يرسل هؤلاء العمّال 21 مليار دولار سنويّاً، وهو جزء كبير من اقتصاد بنغلاديش.
تحت نظام حكم الشيخة حسينة، تفاقم الاستغلال النيوليبراليّ للموارد الطبيعيّة، وأصبحتْ منطقتا “سونداربانس” و”تلال شيتاغونغ” مواقع رئيسيّة للاستغلال البدائيّ.
مؤخّراً، أصبحتْ “سونداربانس” موقعاً لأهم مشروع محطة توليد طاقة في تاريخ بنغلاديش الحديث، ممّا يُهدّد التنوّع البيولوجيّ للنباتات والحيوانات في هذا الموقع المدرج ضمن التراث العالميّ لليونسكو. من ناحية أخرى، أصبحتْ “تلال شيتاغونغ” موقعاً للتعدين غير المنظّم، ممّا يُعرّض الطبيعة والمجتمعات الأصليّة التي تعيش هناك للخطر.
دور الهند
لا يُمكن فهم طبيعة الاحتجاجات الحاليّة، مثل الاقتصاد السياسيّ في بنغلاديش، دون النظر إلى دور الهند. العلاقة بين الهند وبنغلاديش مُعقّدة تاريخيّاً. كانتْ بنغلاديش في السابق جزءاً من الهند البريطانيّة، وأصبحتْ المقاطعة الشرقيّة لباكستان بعد التقسيم في عام 1947. لعبتْ الهند دوراً حاسماً في تحرير بنغلاديش، حيث استضافت الحكومة المنفيّة و10 مليون لاجئ، وساعدتْ جيش التحرير البنغلاديشيّ في هزيمة باكستان في عام 1971.
في السنوات التي تلتْ ذلك، ظلّتْ الهند حليفاً وثيقاً لرابطة عوامي، أوّلاً خلال حكم الشيخ مجيب الرحمن (1971-1975) ثمّ حكم الشيخة حسينة (1996-2001 و2009-2024). خلال هذه المدّة، مرّتْ العلاقات بين الهند وبنغلاديش بفترات من التحسّن والتوتّر.
ما يبرز في انتفاضة يوليو هو الدور المتزايد للهند في اقتصاد بنغلاديش السياسيّ. في الواقع، تقع العديد من مشاريع البنية التحتيّة، والصناعات الثقيلة، وجزء كبير من السوق البنغلاديشيّ تحت سيطرة الرأسماليّين الهنود. يُسافر عدد كبير من البنغلاديشيّين إلى الهند للحصول على الرعاية الصحيّة والتعليم وأسباب أخرى، رغم أنّ نظام التأشيرات أصبح أصعب بمرور الوقت. ازدادتْ هذه الهيمنة الاقتصاديّة للهند في بنغلاديش في عهد الشيخة حسينة، مقابل الدعم الاستراتيجيّ من الحكومة الهنديّة.
أصبح يُنظر بشكل متزايد إلى حكومة الشيخة حسينة ككيان تابع للهند، ممّا أثار استياءً واسع النطاق ضدّ الهند، وأصبح هذا الاستياء جزءاً حاسماً من حركة يوليو. كانتْ الشعارات والملصقات المناهضة للهند منتشرة في المظاهرات، بعد دعوات عديدة لمقاطعة البضائع الهنديّة منذ العام الماضي. ساهمتْ أيضاً التوتّرات المتزايدة في الهند ضدّ الأقليّات (خاصّة المسلمين) تحت الحكم القوميّ الهندوسيّ في تأجيج هذه المشاعر المناهضة للهند.
الماضي المضطرب
خلال العقد الأخير من حكم الشيخة حسينة، شهدتْ البلاد هجوماً غير مسبوق على القيم والإجراءات الديمقراطيّة. أصبحتْ الأحزاب المعارضة شبه غير موجودة، وتمّ وضع زعيمة المعارضة في حزب “بنغلاديش الوطنيّ” اليمينيّ، خالدة ضياء، تحت الإقامة الجبريّة لسنوات. هناك ادعاءات بأنّ انتخابات 2018 و2024 زوِّرتْ بشكل فاضح من قبل رابطة عوامي. تمّ قمع المعارضة المجتمعيّة، وكذلك الحركات الاجتماعيّة والسياسيّة البديلة، بوحشيّة من قبل الشرطة والشرطة السريّة والجيش. أصبحتْ عمليّات الخطف والقتل خارج نطاق القانون والاعتقالات غير القانونيّة أمراً يوميّاً في بنغلاديش. قُتل الآلاف أو سُجنوا أو أُجبروا على المنفى. لم يُستثن أحد: المثقفون، والصحفيون، والنشطاء السياسيّون، والمدافعون عن حقوق السكّان الأصليّين، ونشطاء البيئة، كلّهم واجهوا نفس المصير.
أحكمتْ حكومة الشيخة حسينة الاستبداديّة قبضتها على السلطة في بنغلاديش ليس فقط من خلال استخدام العنف، ولكن أيضاً من خلال بناء توافق سياسيّ وتاريخيّ بين النخبة العلمانيّة والثقافيّة في البلاد. يجب فهم الأحداث الأخيرة، وبشكل أوسع، نظام الشيخة حسينة، ضمن سياق تاريخ بنغلاديش والمعارك الأيديولوجيّة التي دارتْ منذ عام 1971.
رغم افتقارها إلى الشرعيّة الديمقراطيّة، كانتْ الشيخة حسينة تملك سلطة ثقافيّة وأيديولوجيّة معيّنة. بنغلاديش لديها تاريخ مضطرب وما زالتْ تتعامل مع إرث حرب التحرير في عام 1971. خلال تلك الحرب، كانتْ رابطة عوامي والأحزاب اليساريّة تقود النضال ضدّ الجيش الباكستانيّ، بينما عملتْ القوى الإسلاميّة كمتعاونين مع الجيش، وشاركتْ بنشاط في الإبادة الجماعيّة والاغتصاب الجماعيّ والجرائم الأخرى ضدّ الإنسانيّة.
حتّى عام 2006، كانتْ الفترة من اغتيال مجيب الرحمن، زعيم حركة التحرير وأوّل رئيس، باستثناء فترة حكم قصيرة للشيخة حسينة في أواخر التسعينيّات، تُعتبر إلى حدّ كبير تراجعاً عن العديد من مبادئ التحرير في بنغلاديش. تمّ التخلّي عن القوميّة اللغويّة والعلمانيّة والاشتراكيّة، بينما مجرميّ الحرب في عام 1971 بقوا أحرارا، بل أصبحوا جزءاً من الائتلاف الحاكم.
في الواقع، بعد الاغتيال، تمّ إعادة تثبيت المتعاونين مع النظام الباكستانيّ خلال حرب التحرير، “الجماعة الإسلاميّة”، ليس فقط من قبل الحكومة العسكريّة، ولكنّهم أصبحوا في نهاية المطاف جزءاً من الحكومة التي قادتها خالدة ضياء وحزب “بنغلاديش الوطنيّ” بين 2001 و2006.
رغم أنّ مؤسّس حزب “بنغلاديش الوطنيّ” ضياء الرحمن كان بطلاً محوريّاً في حرب التحرير، إلّا أنّ نظامه العسكريّ هو الذي منح الإسلاميّين فرصة العودة إلى الساحة السياسيّة الرئيسيّة.
لذلك، عندما عادتْ الشيخة حسينة إلى السلطة في عام 2009، كان لديها تفويض لاستكمال “التحرير غير المكتمل”، معاقبة المتعاونين وقتلة والدها، مجيب الرحمن.
في عام 2013، بلغتْ القوميّة البنغاليّة ذروتها بعد الاستقلال، عندما خرج آلاف الطلاب والمدنيّين إلى الشوارع لضمان تحقيق العدالة لمرتكبيّ جرائم الحرب في 1971. رغم أنّها كانتْ حركة مجتمع مدنيّ بكلّ معنى الكلمة، كانتْ الشيخة حسينة المستفيد النهائيّ، حيث وفّر لها ذلك الحصانة استناداً إلى إرث والدها ودور رابطة عوامي في تحرير بنغلاديش. استغلّتْ حسينة هذا الأمر بتحويل الإرث الثقافيّ والتاريخيّ إلى رخصة سياسيّة لإسكات كلّ المعارضة، واصفة إيّاهم بـ”قوى مناهضة للتحرير” عند الحاجة. عمليّاً، كان أيّ شخص يُشكّك في سلطتها يُصنّف تلقائيّاً كخائن لإرث التحرير.
في الوقت نفسه، ورغم أنّ حسينة قضتْ على جماعة الإسلام كمؤسّسة سياسيّة، إلّا أنّها لم تفعل الكثير لوقف تزايد أسلمة البلاد. بل إنّها أقامتْ تحالفاً تكتيكيّاً مع الإسلاميّين، ممّا سمح لهم بنشر أفكارهم وتغيير النسيج الاجتماعيّ، طالما أنّهم لا يقفون بوجه سلطتها السياسيّة. بعبارات أبسط، سمحتْ للإسلاميّين بالعمل بحريّة ضمن سيادة سياسيّة محدودة، بل وحتّى بالتغلغل في صفوف حزب رابطة عوامي. وفي الوقت ذاته، حافظتْ على مظهر القائد العلمانيّ، المدافع عن الأقليّات والثقافة الليبراليّة، بدونها كان من الممكن أن تُصبح بنغلاديش دولة إسلاميّة.
بصيص أمل في مستقبل غير واضح
السؤال الأكبر الذي يلوح في الأفق بعد انهيار نظام حسينة الاستبداديّ هو: في أيّ اتجاه ستذهب بنغلاديش؟ الحركة الطلابيّة، التي تُشكّل جوهر الاحتجاجات، ليستْ قوّة سياسيّة متجانسة. تفتقر إلى الهيكل التنظيميّ، والرؤية السياسيّة، والأهم من ذلك، الإطار الأيديولوجيّ.
التحالف الشعبيّ الواسع، الذي كان قوّة الحركة، يُمكن أن يُصبح نقطة ضعفها ما لم تظهر قوّة سياسيّة تقدميّة ذات أجندة واضحة، أو إذا لم تتمكّن القوى اليساريّة التقدميّة الحاليّة من توجيه الحركة في المستقبل، وهو أمر يبدو غير مرجّح حتّى الآن.
في أعقاب انهيار حكومة الشيخة حسينة، بدأتْ القوى الإسلاميّة في إحداث فوضى في جميع أنحاء البلاد، مهاجمة الأقليّات، وتدمير التماثيل “المناهضة للإسلام”، والإطاحة بتماثيل مجيب الرحمن. ومع ذلك، قوبلتْ هذه القوّات بمقاومة من جانب القوى التقدميّة في الحركة، وكذلك من الشعب العاديّ، الذي تدخّل مع المجتمعات الأقليّة لمنعهم. رغم أنّ هذه الأعمال توفّر الأمل في أنّ بنغلاديش قد لا تقع تحت حكم استبداديّ آخر، فإنّ القوى الإسلاميّة وحزب “بنغلاديش الوطنيّ” اليمينيّ لا يزالان أقوى القوى السياسيّة المنظّمة في الوقت الحاليّ.
إذا جرتْ انتخابات حُرّة غداً، فمن المحتمل أن يفوزوا بأغلبيّة المقاعد.
عامل مهم آخر في مستقبل البلاد هو دور الولايات المتحدة. لا نعرف بعد ما إذا كانتْ الولايات المتحدة أو حلفاؤها قد لعبوا دوراً في دعم الاحتجاجات المناهضة للحكومة، لكن من المؤكّد أن تغيير النظام يلعب دوراً لصالح الرؤية الاستراتيجيّة للولايات المتحدة في جنوب آسيا. الحكومة المؤقتة التي تشكّلتْ بعد جولات من التفاوض بين الجيش والمحتجين يقودها محمد يونس، الاقتصاديّ الحائز على جائزة نوبل، الذي تربطه علاقات وثيقة بالمؤسّسة الأمريكيّة. كانتْ حكومة حسينة، بسبب عدة أسباب تاريخيّة وإلزاميّات جيوسياسيّة، تنفر من الولايات المتحدة، وأصبحتْ قريبة بشكل متزايد من الصين.
في الوقت الحالي، هناك مشروعان جيوسياسيان متنافسان يلعبان دوراً في تحديد العلاقات الدبلوماسيّة في جنوب وجنوب شرق آسيا. الأوّل هو مبادرة الحزام والطريق الصينيّة، التي ستستثمر 40 مليار دولار في بنغلاديش، ممّا يعكس النفوذ المتزايد للصين في البلاد. المشروع الثاني هو “الحوار الأمنيّ الرباعيّ” (QUAD) الذي حاول ضمّ بنغلاديش إلى تحالف مناهض للصين. كانتْ حسينة حذرة ورفضتْ الانضمام إلى تعاون عسكري معادٍ للصين بشكل علنيّ. من المرجّح أن يتغيّر هذا السيناريو تحت الحكومة الجديدة، التي تُظهر بالفعل مزيداً من الاستعداد للتعاون مع الغرب.
في هذا السياق، فإنّ غياب القوى اليساريّة والاشتراكيّة القويّة التي كان يُمكن أن تُعطي هذه الحركة توجّهاً أكثر تقدّماً هو أمر مؤسف. ما هو مطلوب اليوم هو قوّة سياسيّة تقدميّة جديدة يُمكنها كسر دورة الطغيان التي ميّزتْ تاريخ البلاد بعد الاستقلال لضمان السلام والعدالة والديمقراطيّة لجميع الطبقات العاملة والأقليّات ولكلّ فئات المجتمع.
ومع ذلك، فإنّ هذا لا يعني أنّ الحركة الحالية هي حركة رجعيّة. لقد تحمّل الشعب العامل والجمهور الديمقراطيّ في بنغلاديش مرحلة قمعيّة بشكل كبير خلال العقد الماضي. كانتْ “ثورة يوليو” نهاية لنظام استبداديّ، ويستحق هذا الإنجاز الاعتراف والاحتفال.
أهم قرار يجب أن تتخذه الحكومة المؤقّتة في الوقت الحاليّ هو متى وكيف ستجري الانتخابات القادمة. من الصعب التنبّؤ بالوقت، لكن الشرعيّة التي اكتسبتها هذه الحكومة من خلال “الثورة” لها تاريخ انتهاء. حتّى الآن، لم تُقدّم الحكومة خارطة طريق واضحة لتسليم السلطة إلى مجلس منتخب. ستتحوّل الآمال والارتياح الناتج عن تغيير الحكومة بسرعة إلى إحباط وغضب ما لم تجد الحكومة المؤقّتة طريقة لضمان انتقال سلميّ للسلطة إلى أيدي ممثّلين منتخبين.
مرّ أكثر من أسبوع منذ أن تولّتْ الحكومة المؤقّتة السلطة، ويبدو أنّ الوضع السياسيّ في بنغلاديش يستقر. لم تشهد مؤسّسات الدولة، مثل الجيش والقضاء والبيروقراطيّة، أيّ إصلاحات جذريّة حتّى الآن، ممّا قد يكون مؤشّراً على أنّ “الثورة” لم تُحدث أي تغيير جوهريّ، خاصّة داخل الجهاز الإداريّ والاقتصاديّ للدولة. ما لم تنجح الحكومة المؤقّتة في إحداث تغييرات جوهريّة في حياة الطبقات العاملة ومعالجة القضايا الاجتماعيّة والاقتصاديّة لغالبية البنغلاديشيين، قد نتوقّع جولة أخرى من الاحتجاجات وحركة شعبية متنامية، وهذا قد يكون حاسماً لمصير بنغلاديش. نأمل أن تظهر قريباً قوّة سياسيّة تقدميّة تقود التغييرات الحقيقيّة في بنغلاديش.