ربّما لا يوجد بلد آخر في العالم يُمكنه الشّعور بنضال الفلسطينيين وفهمه بقدر جنوب أفريقيا.
“لا تكتمل حُرّيتنا دون حُريّة الفلسطينيّين”، العبارة الشّهيرة للراحل نيلسون مانديلا.
في 13 مايو/أيار، أنشأ الطلّاب في منطقة ويتس المُحرَّرة، في جامعة ويتس في جوهانسبرغ، حسابهم الشّخصيّ على إنستغرام للكشف عن أنشطتهم ونضالاتهم.
في الدّولة التي رفعتْ قضية الإبادة الجماعيّة في محكمة العدل الدّوليّة ضدّ إسرائيل، نظّمتْ الحركة الطلّابيّة استجابتها لدعم النّضال الفلسطينيّ، مسلّطةً الضّوء على الرّوابط العميقة مع الحركة التي أدّتْ إلى نهاية الفصل العنصريّ في البلاد. كان لنيلسون مانديلا علاقة شخصيّة مع ياسر عرفات، ولا تزال العلاقات بين الشّعبين والبلدين مستمرّة حتّى الوقت الحاضر.
تحدثت الكاتبة والباحثة والنّاشطة التّونسيّة الأمريكيّة جميلة همّامي مع مجلة “حكاية ما انحكت”، عن وجهات النّظر من الولايات المتحدة حيث نشأتْ الحركة الطّلابيّة في 17 أبريل في جامعة كولومبيا، لتنتشر بعد ذلك في الجامعات حول العالم. وأخبرتنا: “إنّ هذه المقاومة والتّضامن العالميين مع فلسطين مُلهِمة، ومشاهدة هذا الصّراع بين الأجيال ومستوى التّضامن هو أمر مُدهش. ومع ذلك، من المؤلم للغاية أن نُدرك أنّ الأمر استغرق إبادة جماعيّة كاملة للوصول إلى هناك. لكلّ شخصٍ دور في هذه الحركة، ليس فقط الطلّاب، بل أيضًا من خلال حديثك مع عائلتك أو مقاطعة ستاربكس. يُدرك الناس مدى تعقيد هذا الأمر، ومدى اتساعه، ومدى الدّور الذي يلعبه رأس المال”.
تحدّثتْ مجلة “حكاية ما انحكت” مع ثلاثة طلّاب فاعلين في منطقة ويتس المُحرَّرة: أ. هيرولد، فردوس، وزهرة.
تقول فردوس: “بدأ نشاطي، بطريقة تقاطعيّة، في الصف الحادي عشر، عندما تعرّفتُ على الفصل العنصريّ على مستوى أعمق بكثير. بدأنا بدراسة لجنة الحقيقة والمصالحة، وهذا تاريخ مُعقّد لمواطنيّ جنوب إفريقيا، وللسود في جنوب إفريقيا، مع أهوال نظام الفصل العنصريّ”. “بعد ذلك، انتقلنا إلى نظام جنوب أفريقيا الديمقراطيّ، ولكن عندما تُفكّر في الأمر، تُدرك مستوى الظّلم في العالم وهذا يُثير غضبك. عند هذه النّقطة، أصبح الأمر متقاطعًا أكثر بالنسبة لفردوس، عندما أدركتْ أهميّة التّواصل مع الحركات الأُخرى.
وتضيف: “من الجيّد أن نخوض نضالاً معيّناً، سواء كان نضالاً أبويًَّا أو إمبرياليًّا… لكن ما نحتاج إلى إدراكه هو أنّ جميع نضالاتنا مترابطة وهذا ما سيمدّنا بقوّة هائلة”.
“إنّ الأمر برمّتهِ يعود إلى الاستعمار والفصل العنصريّ والظلم المنهجيّ”، تضيف فردوس، “يتعلّق الأمر بإدراك أنّه يجب علينا أن نغضب أوّلًا، وأن نستهدف من يجب أن نغضب منه ثانيًا، وأخيرًا، أن نسأل كيف نستخدم غضبنا كقوّة دافعة حتّى نتمكّن من تفكيك هذه الأنظمة”.
أكّدتْ زهرة على هذا الشّعور، “في بعض الأحيان تكون قصص هذا النوع من القمع قريبة جدًّا منا. رأيت ضحايا الفصل العنصريّ والاستعمار والإمبرياليّة الغربيّة”. زهرة من الباكستان، وهي دولة ذات تاريخ طويل مع الإمبرياليّة الغربيّة. تشرح: “إنّ رؤية وطني يُدمّر بهذه الطّريقة، بسبب تلك القيم الإمبرياليّة والاستعماريّة، ثمّ مجيئي إلى جنوب أفريقيا ومواجهة تلك القيم من جديد ضدّ زملائي وأصدقائي…. تُثير درجة معيّنة من الغضب، وغضبك يُمكّنك ويُحفّزك، كقوّة دافعة لإحداث التّغيير”.
وتشير زهرة أيضًا إلى أنّه على الرغم من أنّ بريتوريا رفعتْ قضية الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدّوليّة ضدّ تل أبيب بالفعل، فإنّ حكومة المؤتمر الوطنيّ الأفريقي لم تفرض عقوبات اقتصاديّة على إسرائيل، حيث لا تزال التّجارة قائمة بين البلدين، فضلًا عن صفقات تجاريّة غير مُعلنة متعلّقة بالأسلحة، بالإضافة إلى أنّ الحكومة لم تلتزم بحركة المقاطعة (BDS).
تقول: “إنّ جنوب أفريقيا دولة متنوّعة للغاية، ولها مجتمعات متميّزة. وهذا يعني أنّ النّقاشات هنا مختلفة تماماً حول فلسطين. واجهنا نقصًا في الوعي في جامعتنا على وجه التّحديد. لدى الطلّاب فكرة عمّا يحدث في غزّة، لكنّهم لا يفهمون النّضال الحقيقي وكيف يمكننا أن نُشارك فيه أيضًا”.
يأخذ هيرولد الحديث إلى ما هو أبعد من الجامعات والحكومة، إلى الظّروف المعيشيّة التي تواجه العديد من مواطني جنوب إفريقيا: “في القُرى والبلدات، لا يعرف الكثير من النّاس ما يجري أو مدى حجمه. إنّهم مشغولون بنقص الكهرباء والوظائف والمياه”.
وأضاف: “النّاس لا يهتمّون، وأنا أعلم أنّ النّضال واجب على الجميع، ولكن على العموم، بدون حريّة الشّعب الفلسطينيّ، لن نكون أحرارًا أيضًا. عندما تمّتْ مقاطعة جنوب أفريقيا، اتخذ العالم موقفًا لصالحنا، لذلك نحن بحاجة إلى اتخاذ موقف من أجل فلسطين”.
تكمنُ قوّة هائلة في حقيقة أنّ الحركات في الجنوب العالميّ قد حظيتْ ببعض الاهتمام. بحسب فردوس: “سياقنا مختلف تمامًا عن الدّول الغربيّة. نحن قادرون على تقديم نهج متعدّد الطّبقات هنا. نحن نُعاني أيضًا في حشد النّاس، لكنّني أعتقد أنّه من المهم أن نفعل الأشياء بشكل مختلف عن الولايات المتحدة وأنّ الأشياء الممكنة هنا ليست بالضرورة ممكنة هناك، والعكس صحيح. ومن المثير للاهتمام ملاحظة الاختلافات والتّشابهات بين السّياقين”.
يمكن اختبار موقف حكومة جنوب أفريقيا بشأن فلسطين من خلال نيّة المؤتمر الوطنيّ الأفريقيّ تشكيل حكومة وحدة وطنيّة بعد خسارتها للأغلبيّة لأول مرّة منذ 30 عامًا. وفي هذه الأثناء في الولايات المتحدة، قد لا يكون خطر إعادة انتخاب ترامب في الولايات المتحدة كافيًا لإقناع العرب الأميركيين والمسلمين والشّباب والنّاخبين اليساريّين بـ”ضرورة” التّصويت لصالح بايدن في تشرين الثّاني/نوفمبر، الذي يُلقّبه الكثيرون الآن باسم “جو الإبادة الجماعيّة”.
لكنّ الأمر المؤكّد هو أنّ هذه الحركة لن تتوقّف، وأنّ شباب الجنوب العالميّ سيجدون مساحة أكبر في الحوار، حيث يتقاطع النّضال الفلسطينيّ مع تجاربهم الماضية والحاليّة.