في السنة التانية من حياتي في امستردام، بدأت أعاني من ألم شديد في الجزء الأسفل من ضهري. دا ماكانش جديد لإني كنت عارفة ان عندي انزلاق غضروفي من وانا عمري ٢٦.
كان لازم اعمل شوية فحوصات وعلاج طبيعي لضهري.
في أول جلسة، المعالجة قالت لي إني بمشي “غلط”. هاه … عمرك فكرت ان المشي فيه صح وغلط؟
قالتلي: لازم نصلح مشيتك، لإنها بتأثر على حالة جسمك ككل وعلى وقفته.
معالجة العظام كمان أكدت على فكرتها، وشرحتلي ازاي تراكمات المشي ال”غلط” سنين ورا بعض شكل جسمي.
الفكرة اللي اتشرحتلي من المعالجين كانت كالتالي:
“عضلات الضهر ضعيفة، بتخلي عضمة الحوض في مكان مش صح، ودة مخلي ركبتي ملوية لجوة. بالتالي كل دا بيأثر على رقبتي اللي ممتدة لقدام علشان توازن الخلل اللي في باقي الجسم.”
وروني صور، شفت فيها الخط اللي بيوضح جسمي دلوقتي فين، بالمقارنة مع مفروض يكون فين.
الشرح كان منطقي جداً بالنسبالي، دايماً كنت بسمع تعليقات على مشيتي خلت الكلام مش غريب عليا.
بس كمان انا كنت عارفة إني مشيت بطرق مختلفة في أماكن مختلفة وأوقات مختلفة.
مشيتي اتغيرت مع كل مدينة عشت فيها، بس ماكنتش اعرف ان دا كمان بيغير جسمي نفسه.
وعشان كدا، لما كان عندي ٣٣ سنة، اضطريت اتعلم امشي من أول وجديد. كل جلسة كنت أطلع على التريدميل وامشي شوية شوية على تعليمات دكتورة العلاج الطبيعي.
“خدي خطوة، خطوة، شمال، يمين… حطي ايديك في جيبك، ما تستخدميهاش في التوازن، اعتمدي على عضلاتك… خلي عندك ثقة في عضلاتك”
ياه، ما كنتش اعرف إني مش بثق فيهم… يا تري ايه اللي ممكن يكون خلاني أفقد ثقتي في جسمي وعضلاتي؟
صديقتي سارة، فنانة كتبت عن ممارسات المشي، بتقول في مقال لها:
“كان لدى معالجة العلاج الطبيعي التي كانت تعالجني نظرية عن العلاقة بين العنف الجندري في الأماكن العامة وألم أسفل الظهر، الألم الذي تعاني منه كثير من النساء المصريات على حد تعبيرها.
تمايل الحوض حركة ضرورية لاسترخاء وتقوية تلك العضلات، ولكنها حركة تنظر على انها نوع من الدعوة للتحرش الجنسي في النظرة المحدقة للرجال في الاماكن العامة، بالذات أن النساء كن وما زلن يعانين من لوم الضحية. وبالتالي يستخدمن عضلات أقل قوة، وأقل مركزية، مما يضعف أجذاعهن.”
اه، دي حاجة أنا فاهماها…
دا خلاني أفكر في اذاي تجربة المشي وعلاقتنا بالشوارع بتختلف مع اختلاف النوع الاجتماعي.
المشي، السرحان، التوهان، الانجراف…
كل دا وصلني إني افكر في مصطلح وممارسة ال ” دريفيه” اللي تصوره غي ديبور على أنه رحلة غير مخطط لها عبر المناظر الطبيعية، وعادة ما تكون في الأماكن الحضرية، واللي فيه بيتوقف المشاركون عن التركيز على علاقتهم اليومية ببيئتهم الاجتماعية.
دريڤ: هو تكنيك في المشي السريع خلال البيئات المختلفة.
الدريڤ أو الانجراف يدمج الوعي بالإيحاءات النفسية الجغرافية. هي ممارسة تحررية ضد التسيير. على حسب افكار جماعة ليتريست الدولية.
فاكرة قد ايه كفنانة، كنت منبهرة بالطريقة اللي بيشوفوا بيها المشي باعتباره ممارسة تخريبية ضد السلطة، وضد الهياكل القسرية للسيطرة على أجسادنا. طريقة لاستعادة حريتنا في مدننا.
والمشي هو بالفعل أمر تخريبي، بس لقتني بسآل نفسي: الكلام دا ينطبق على مين؟ يا تري ايه نوع المخاطر
اللي ممكن يتعرض ليها هد ذي ديبورد في مشيه حولين باريس؟
لما دورت على اجابة السؤال دا لقيت قايمة بالعوائق اللي جمعها ديبور واللي بتشكل مشاكل للدريفيه:
– الساعات المتأخرة
– التوقف لإنجاز مهام يومية أو عادية
– التعب
– الجو
طيب وباقي المعواقات؟ زي:
– التحرش
– قد ايه الشارع منور
– وجود الرصيف من عدمه
– اللي أنا لابساه
– الزحمة
– مدى تقبل المنطقة لجندري ولوني.
– الشرطة اللي قافلة الشارع
اعتقد ان تجربتنا عن المشي والشوارع ممكن تبقي مختلفة، حتى لو ماشيين سوي.
ساعات بستغرب قد ايه مش بسمع حد بيتكلم عن التمشية بالعربي…
فتشت عن فكرة التمشية في مسلسلات وأفلام:
“تعالى ننزل نتمشى ونحكي”
“معلش أنا عايزة اتمشى شوية عشان أفكر”
لما بتظهر، بيكون مثلاً مجموعة من الأصدقاء، أو لحظة رومانسية بين اتنين… أو شخص حاسس بهم ومحتاج يكون لوحده.
يا تري اتعلمتم قد إيه عن العناية بالنفس في طفولتكم؟
“طفح المجاري في حارتكم علمك رقص الباليه”
جملة من الشاعر منتصر حجازي. صورة عبقرية، بشوف نفسي فيها وأنا طفلة. مية المجاري كانت تطفح من بيت الجيران، ودايماً كانت تاخد أيام على ما تتصلح وكانت على طول تاني تبوظ.
كانت حاجة عادية وبتحصل دايماً، وكنا عارفين نعمل ايه، نمشي ازاي فوقيها. بيكون فيه حسبة طويلة، خطوات حذرة، تحكم في التوازن، قياس المسافة بين الطوب اللي هنطلع عليه، وقفزة هوب!
فعلاً كانت زي رقصة لما بفكر في الموضوع.
لكن،
يا تري إيه اللي بيشكل مشيتنا؟
<<<< وها أنا أسير على الخط >>>>
الأفكار بتيجري في دماغي:
امتياز المشي
الامتياز في المشي
المشي بيشكل جسمي
الامتيازات بتشكل جسمي
المشي بيشكل وقفتي
يا تري إيه هو شكل وقفة الامتيازات؟
رحلت، مشيت، اتحركت، اتغيرت…
اتعلمت مشيات جديدة، وحسنت وقفتي.
ما اعتقدش إني وقفت ازعل على الماضي ومشياتي الضائعة.
كنت محتاجة اتخطى الألم، ولكن جسمي كان بيخطو أبطأ.
الانكار، الغضب، المساومة، الاكتئاب، القبول…
مش بييجوا بالترتيب دا.
بتسائل ازاي كل مرحلة منهم بتأثر على مشيتي.
اعتقد مشيت أحسن في لحظات الانكار، بس الاكتئاب دايماً كان مش كويس لوضع جسمي.
<<<< Joan Baez – Walkin’ Down The Line [HD] >>>>