إذا كان هناك أسطورة تأسيسيّة للأمّة الإسبانيّة، فمكانها هو أستورياس، وهي منطقة واقعة على ساحل كانتابريا في شمال إسبانيا بين غاليسيا وإقليم الباسك. تقول الأسطورة، خارج كتب التّاريخ، أنّ الملك الأستوريّ دون بيلايو قاوم الغزوات العربيّة، وبمساعدة بتول كوفادونجا، قدّيس أستورياس، هزم الجيش الإسلاميّ حوالي عام 722، وبهذا بدأتْ “الاستعادة”.
أمّا بالنسبة للفخر القوميّ، فإنّ أستورياس هي “مهدُ إسبانيا”، وهي أرضُ المسيحيّين القُدامى التي لم يدسها الغُزاة المسلمون أبداً. ولعلّ هذا هو السّبب وراء أنّ معظم الأستوريّين، والزوّار أيضاً، لا يعرفون أنّه في غرب المنطقة على بعد بضعة كيلومترات من مدينة لواركا، وعند سفح كامينو دي سانتياغو، توجد مقبرة إسلاميّة ذات بلاط عربيّ وقوس على شكل حدوة حصان. مع عدم وجود لافتة معلومات تُساعد الزوّار على فهم الأمر، تظهر هذه المقبرة المغاربيّة في بارسيا وهي شبه مُدمَّرة، وسط غابة على بُعد أمتارٍ قليلة من السّاحل.

إنّ الأشياء غير المعروفة عن هذه المقبرة أكثر بكثير من المعروفة. ولا يُعرف حتّى عدد الأشخاص المدفونين هناك، لكن يتراوح عددهم تقديرياً بين 100 و300 مسلم ريفيّ من مليلية ومناطق أُخرى من المحميّة الإسبانية السّابقة في المغرب. وكانوا جزءاً من Grupos de Regulares de Melilla (القوّات الأهليّة النّظاميّة)، وهي وحدة من القوّات المحليّة التي تأسّستْ عام 1911 وجنّدها جيش فرانسيسكو فرانكو كي تُقاتل في الحرب الأهليّة الإسبانيّة (1936-1939).
“كان غزو المغاربة (المور) أحد الرّموز العظيمة للبروباغاندا الحربيّة الجمهوريّة، الذي مثّل عودة غزاة عام 711”. هذا ما قاله خوسيه مانويل نونيز سيكساس، وهو مؤرّخ ومؤلّف كتاب “مواقع الدّكتاتوريين: ذكريات أوروبا الاستبداديّة، 1945-2020“.

يوافق على ذلك فرانسيسك تور، الذي كتب كتاب “الحرب الخفيّة. المغاربة والأميركيين الأفارقة والغجر في الحرب الأهليّة“: “تمّت شيطنة العرب بشكل كبير في الصّحافة الجمهوريّة، فكانوا يُعاملون كما لو أنّهم همجيّون، وحوش جاءوا لاغتصاب النّساء الإسبانيّات”.
عند بدايةِ الحرب في أكتوبر 1936، وصلتْ عدّة وحدات من الجنود المغاربة من سبتة ومليلية وتطوان والعرائش في غاليسيا. كان انقلابُ فرانكو قد نجحَ في غاليسيا، ولكن ليس في أستورياس، وهي المنطقة ذات التّقاليد العُمّاليّة واليساريّة. في الواقع، كان العديد من الجنود الذين نظّموا انقلاب عام 1936 الذي أوصل فرانكو إلى السّلطة جزءاً ممّا يُسمّى بـ “الوحدويين الأفارقة”، وهم جنود إسبان لديهم خبرة في القتال والقمع في المستعمرات الإسبانيّة في المغرب.

قبل ذلك بعامين، نظّم عمّال المناجم الأستوريّون ثورة أكتوبر 1934، وأنشأوا جمهوريّة اشتراكيّة أستوريّة مؤقّتة، والتي قمعها الجيش الجمهوريّ في غضون أسابيع. تُشير التّقديرات إلى أنّ 2000 شخص قُتلوا على يدِ الجنود الأفارقة والقوّات المغاربيّة النّظاميّة، وفقاً لمؤرّخين مثل غابرييل جاكسون أو جوليان كازانوفا، على الرّغم من أنّ مؤرّخين آخرين طرحوا أرقاماً أعلى.
تسبّبتْ قسوة هؤلاء الجنود في إثارة الرّعبِ بين السُّكّان الأستوريّين، لدرجة أنّ الصّورة النّمطيّة عن خُبث المغاربة بدأتْ بالترسُّخ، واستخدمها الجانب التابع لفرانكو في الوقت المناسب كسلاحٍ للحرب النّفسيّة، كما غذّتها قرونٌ من الأساطير والأغاني الشّعبية المتعلّقة بمعركة كوفادونجا.
سمع أوريليو ديل لانو، أحد أشهر فنّانيّ الفولكلور الأستوريّين، في عام 1920 راعية تُنشدُ أغنية Romance de la cristiana cautiva، وكلماتها: “Romance de la cristiana cautiva Caballero yo no soy mora,/ soy cristiana cautiva, me cautivaron los moros/ siendo niña chiquitita”، (سيّدي، أنا لستُ مغربيّة، أنا أسيرة مسيحيّة، أسرني المغاربة عندما كنتُ طفلة صغيرة). في الأيام الأخيرة من ثورة 1934، كتب الزّعيمُ الاشتراكيّ الثّوريّ بيلارمينو توماس عن الجيش المغربيّ قائلاً إنّ “سلوكهم لا يليق بأيّ أمّة متحضّرة”.

كان هذا هو السّبب وراء اختيار مدبّري الانقلاب العسكريّ لهذه القوّات للسير من غاليسيا إلى أوفييدو، العاصمة الأستريّة، حيث كان كورونيل أنطونيو أراندا، زعيم الانقلاب في المنطقة، صامداً في مدينة يُحاصرها الجمهوريّون. أثناء التقدّم نحو أوفييدو، أصبحتْ مدينة لواركا الواقعة على بُعد حوالي 90 كم غربًا، المركز العصبيّ لمؤخرة الجيش الوطنيّ ومقراً للحكومة العسكريّة للمنطقة. وقعتْ أكثرُ المعارك دمويّةً على سفوح جبل نارانكو في ضواحي أوفييدو، قُتل فيها الجنود المغاربيّون بالمئات. “لقد كانوا في الطّليعة لأنّهم من النُّخبة” كما يوضّح خوسيه مانويل رينا، أحد سكان بارسيا ومدرّس التّاريخ المُتقاعد، وأيضاً: “لقد كانوا في الخطوط الأماميّة، وحدثتْ هناك مجزرة حقيقيّة”.
قوّات السّكّان الأصليّين، وقوداً للمدافع
كان المرتّب اليوميّ الذي تلقّاهُ هؤلاء الجنود المغاربة هو السّبب الرّئيسيّ وراء رغبتهم بالمشاركة، “حوالي أربعة بيزيتا في اليوم، وهو أجر جيّد للناس العاديين”، كما كتب ستانلي ج. باين في كتابه “40 سؤالاً أساسيّاً حول الحرب الأهليّة الإسبانيّة“. وكانت هناك فوائد لعائلاتهم أيضاً في حالة وفاتهم في المعركة.

بعيداً عن الأسباب الاقتصاديّة، يرى باين أيضاً أنّ بعض هؤلاء الرّعاة والفلّاحين الرّيفيّين المتقشّفين قد اقتنعوا بأيديولوجيّة فرانكو القوميّة والكاثوليكيّة والرّجعيّة بأنّ الحرب التي تُشنُّ في إسبانيا كانت ضدّ الملحدين وأعداء الدّين. ووفقاً له، انجذب هؤلاء الشّباب المغاربة إلى “المناشدات التي أكّدتْ على القيم شبه الجهاديّة التي تكمن وراء الحرب ضدّ “الإلحاد الأحمر” و”الكُفر”، لذلك لم يكن لدى المتطوعين أدنى شكٍّ بأنّهم يقاتلون أناساً أشراراً حقّاً”.
وبما يتماشى مع هذا الإيمان الدّينيّ المشترك، زُوّد الجنود المسلمون الملتحقون بجيش فرانكو بأشخاص وموارد لتلبية احتياجاتهم. كما جُهّز مسرح في لواركا ليكون ثكنة للقوّات المغربيّة، التي كان يرافقها دائماً أئمّة وفقهاء، خبراءٌ في الشّريعة الإسلاميّة مسؤولين عن الدّفن وفقاً للطقوس الإسلاميّة. ويُعتقد أنّ أحد هؤلاء الفقهاء هو الذي أشرف على بناء مقبرة بارسيا في خريف عام 1936، باستخدام العمالة المحليّة التّطوعيّة والقسريّة.

إنّه انقلابٌ أيديولوجيّ مُثير للاهتمام: فبينما كان اليسار الجمهوريّ المستنير والعالميّ يروّج صورة وحشيّة عن المغاربة، لجأ اليمين الفاشيّ في دعايته إلى المغاربة “كرمز كان جزءاً من صورة فرانكو كأمير حرب وحدويّ أفريقيّ”، كما وضّح بابلو ليون جاسالا، المدير العام للثقافة والتّراث في إمارة أستورياس، احتفل المثقّفون والدّعاة من جانب فرانكو بوحدة الشّعبين الإسبانيّ والمغربيّ في نضالهما دفاعاً عن الحضارة التّقليديّة. ومع ذلك، خلف ذاك الخطاب، كان الواقع مختلفاً تماماً. ويوضّح ليون جاسالا قائلاً: “لقد استُخدم الجنود المغاربة كوقود للمدافع على خطَّ المواجهة”.
الخراب والهجر
تقع المقبرة المغاربيّة في بارسيا، الأثر الوحيد للعمارة الإسلاميّة في أستورياس، فوق مساحة إجماليّة قدرها 4500 متر مربّع في جزأين متميّزين. من جهة، يمكن الوصول إلى منطقة الدّفن، وهي مستطيلةُ الشّكل وفي زواياها الأربع أبراج حراسة، من خلال المرور أسفل القوس على شكل حدوة الحصان الذي كان مغطّى ببابٍ خشبيّ يزيدُ ارتفاعه عن مترين. وأمامه بدأ بناء مسجدٍ مخصّص لغسل ولفِّ الجُثث على الطّريقة الإسلاميّة، لكنّه لم يكتمل أبداً.
تتذكّر رينا، إحدى سكّان قرية بارسيا، قائلة: «كان هناك إمامٌ يُدعى عمر، وكان يأتي كلّ عام بعد انتهاء الحرب لتنظيف المقبرة والعناية بها. توفّي حوالي عام 1970 ولم يعد أبداً”. منذ ذلك الحين نمتْ الشّجيرات حتّى أصبح من الصّعب رؤية القبور. لقد انهارتْ أجزاءٌ من الجدار وامتلأتْ أبراجُ المراقبة بالقمامة.
يتذكّر المؤرّخ نونيز سيكساس: “كان عمري ١٣ عاماً تقريباً عندما زرتُ المقبرة للمرّة الأولى حوالي عام ١٩٧٩، وكان يلفّها شيءٌ من الغموض. ثمّ عدتُ عندما كبرتُ مع زوجتي، وكانت في حالة مزرية، إنّه مكان نصف خفيٍّ”.

إنّ قرية بارسيا، وهي بلديّة يبلغُ عدد سكانها 579 نسمة، هي الجهة المالكة والمسؤولة عن المقبرة. يتذكّر ريكاردو غارسيا باروندو، الذي كان رئيساً لها بين عاميّ 2007 و2023: “عندما انضممتُ، قمنا بتنظيفها لأنّها كانت أرضاً مليئة بالشُّجيرات. حاولنا الحفاظ عليها هكذا، وكُنّا نرغب في تنظيف المكان أكثر، لكن لدينا ميزانيّة مُنخفضة للغاية ولا نستطيع تحمّل نفقة ذلك لأنّها مهمّة مُعقّدة. نحاولُ منذ سنوات ونطرقُ أبواب كافّة الجهات الرسميّة”.
إسماعيل غونزاليس، مستشار السّياحة في مجلس مدينة فالديس، حيث توجدُ مقبرة بارسيا، لا يُخفي حقيقة أنّ هذه المساحة “ليست من بين أولويّات العمل من حيث إعادة تأهيل التّراث أو الاستخدام السّياحيّ”، وبالتالي يستبعد تدخّل البلديّة لإنقاذ المقبرة من الخراب الذي يبدو أنّه حُكم عليها به. كانت المقبرة جزءاً من قائمة التّراث الثّقافي لأستورياس منذ عام 2012، ممّا يفتح الباب أمام تلقّي المنح لإعادة تأهيلها.
ومع ذلك، وفقاً لليون جاسالا، مدير التّراث في المنطقة، “لم تُطلب أيّ مساعدة”، ممّا يدلُّ على عدم الاهتمام بمساحة لا تتناسب مع الفئات المعتادة للذّاكرة التّاريخيّة في إسبانيا. ليس من الواضح تماماً ما هو الاعتبار الذي ستحظى به هذه المقبرة في قانون الذّاكرة الدّيمقراطيّة الذي تمّت الموافقة عليه مؤخّراً، والذي ينظر في إزالة تلك “المباني والإنشاءات والدّروع والشّارات واللّوحات وأيّ عناصر أو أشياء أُخرى ملحقة بالمباني العامّة أو الموجودة على الطُّرق العامّة التي تحتوي على إشارات تذكاريّة تمجّد الانتفاضة العسكريّة والدّيكتاتوريّة، سواء كانت شخصيّة أو جماعيّة”.

وفي الأشهر الأخيرة، كان هناك جدل عام ساخن في إسبانيا حول “هرم الإيطاليين”، وهو ضريح جنائزيّ يضمّ جثث الجنود الإيطاليين الذين أرسلهم موسوليني للقتال في الحرب الأهليّة الإسبانيّة. وقد أمرتْ حكومة قشتالة وليون المتمتّعة بالحكم الذّاتيّ، والتي يرأسها الحزب الشّعبيّ الليبراليّ المحافظ في ائتلاف مع حزب فوكس اليمينيّ المتطرّف، بحماية النُّصب التذكاري من أجل تجنّب ما يعتبرونه “إعادة كتابة التّاريخ” النّاتجة عن الموافقة على القانون المذكور. بُنيت كلّ من المقبرة المغاربيّة في بارسيا وهرم الإيطاليين لدفن القتلى من الجنود الذين قاتلوا إلى جانب الانقلاب، ولكن هناك فرق جوهريّ بين الاثنين: الأولى هي مقبرة بسيطة، بينما صُممت الثّانية كضريح يفتخر بالأيديولوجيّة الفاشيّة.
حتّى الآن لم تكن هناك سوى محاولة واحدة لترميم المقبرة. لقد كانت مبادرة من مدينة مليلية المتمتّعة بالحكم الذاتيّ بمناسبة الذّكرى المئويّة لتأسيس القوّات الأهليّة النّظاميّة، وهي وحدة متمركزة في مليلية. يقول غارسيا باروندو إنّه أجرى محادثات مع مستشار مليلية، وأنّه في عام 2011 وُضعت خطّة بميزانيّة قدرها 200 ألف يورو لإعادة تأهيلها بالكامل. لكن تلك كانت سنوات الأزمة الاقتصاديّة، وتمّ تجاهل المشروع بسبب تكلفته العالية.

لا يقتصرُ هذا الازدراء للمقبرة المغاربيّة في بارسيا على الإدارات. يتذكّر غارسيا باروندو: “وُضعت لافتةٍ صغيرة على الجدار وامتلأتْ بالرّسوم الغرافيتيّة، لأنّ هناك أشخاص يعتقدون أنّ أولئك المدفونين فيها قاتلوا ضدّ عائلاتهم، وعلينا أن نُحاربهم مهما جرى”.
من ناحية أُخرى، يجد نونيز سيكساس تناقضاً غريباً مع المقابر الأُخرى للجنود المتحالفين مع فرانكو، مثل المسكن العسكريّ الإيطاليّ في سرقسطة. ويشرح قائلاً: “أود أن أضيف أنّ عدم اهتمام المغرب، وربّما افتقاره إلى الوسائل، واضح أيضاً، فهو في النهاية، سيُخلّد بذلك المقاتلين الذين حاربوا إلى جانب المستعمر”.
لا أحد يتذكّر الجنود المغاربيّين
وتحتلّ مقبرة بارسيا مكاناً مُحيّراً يصعب تصنيفه في الذّاكرة الجماعيّة. يعتقد غارسيا باروندو أنّ “مشكلة المغاربة في الحرب الأهليّة هي أنّ الجانب الفائز لم يُعاملهم بشكل جيّد، وأنّ الجانب الخاسر لم يكن يُريدهم أبداً. وعندما انتهتْ الحرب، بقوا في وضع مُعلّق”.
ويوافق نونيز سيكساس على أنّها “ذكرى غير مرغوبٍ فيها وغير مريحةٍ إلى حدٍّ ما. هناك رفضٌ مزدوج، إذ يعترفُ الجانب الفائز بوجود قوّات مرتزقة وغير مسيحيّة في صفوفه، وتشعر الحركة التّذكاريّة بالصّدمة للحفاظ على مكان دفنٍ لطائفة أُخرى”.

ويعتقد ليون جاسالا أيضاً أنّ هذا “جزءٌ مؤلمٌ للغاية من الماضي، وهو أمرٌ مثيرٌ للجدل والخلاف”. لكنّ إحدى طُرق التّعامل معها هي الحفاظ على المقبرة ومحاولة وضعِ سياقٍ لها وشرح سبب وجودها هناك. يُضيف نونيز سيكساس: “إنّ القضايا المتعلّقة بالموتى حسّاسة، وفي غرب أستورياس كان هناك عدد لا بأس به من عمليات الإعدام. إنّ ذكرى المغاربة سلبيّة للغاية في الذّاكرة الشّعبية لأستورياس بسبب دورهم في القمع، ولكن من ناحية أُخرى، كانوا في الغالب أشخاصاً جُندوا بالقوّة. ويمكن اعتبارهم ضحايا جزئياً. إذن، ما هو الاعتراف الذي يجب أن نُقدّمه لهم؟
بالنسبة لغارسيا باروندو، فإنّ الحلّ الأمثل هو ترميم المكان باعتباره “مكاناً للذّاكرة التّاريخيّة، لتذكير الشّباب بما حدث، ولكيلا يتكرّر الأمر مرّة أُخرى.”

ويوافق نونيز سيكساس على أنّه “يجبُ على السلطات إعادة تفسيرها بذكاء، دون ادّعاء مشاركة القوّات المغربيّة في الحرب، بل تفسير مشاركتهم عوضاً عن ذلك. فهم غالباً ما يخشون إثارة الجدل، لكنّها يمكن أن تكون مكاناً مثيراً للاهتمام للسياحة الثّقافيّة. يجب ترتيبه وإعادة تعريفه والتحقيق فيه. وإذا كان أحد يرغب في أداء طقوس جنائزيّة، يجب أن يكون ذلك ممكناً”.
لسنوات، طلبتْ الجالية المسلمة في أستورياس، المكوّنة من حوالي 9000 شخص، أن يُسمح لها باستخدام المقبرة، وعرضتْ تولّي مسؤولية إعادة تأهيل وصيانة المساحة. وطالبوا باستخدامها كمكان لدفن المسلمين من أستورياس وغاليسيا وكانتابريا وليون. يقول يحيى زنابيلي، وهو طبيب سوريّ متقاعد جاء إلى إسبانيا عام 1970 وهو مندوب اللّجنة الإسلاميّة في أستورياس: “في أستورياس بأكملها، لدينا قطعة أرضٍ واحدة فقط في مقبرة أوفييدو، وهي ممتلئة تقريباً”. “وفضلاً عن ذلك، فإنّ القبور لا تتجه كلّها نحو مكة. كمواطنين إسبان، لدينا الحقّ في أن نُدفن وفقاً لمعتقداتنا الدّينيّة، وهذا غير مضمون في أستورياس”. وفيما بعد، أُعيد تأهيل المقبرة الإسلاميّة في إشبيلية، التي بُنيت أيضاً خلال الحرب الأهليّة، وتمّ تسليمها إلى الجالية المسلمة كمكان للدفن.
في العقود الأخيرة، كان استخدام مقبرة بارسيا مختلفاً تماماً. وبحسب رينا، وهي من سكّان بارسيا، كان هناك جيران أخذوا الحجارة من المسجد غير المكتمل لاستخدامها كأساسٍ لمنازلهم. وأثناء زيارتنا للمقبرة، أخبرنا أحدُ الجيران المارّة أنّه هُدّم جزء من الجدار لإخراج عربات محمّلة بالحطب من أشجار الصّنوبر المزروعة داخل السّياج. تُلخّص رينا الأمر في كلمة واحدة: “نهب”.