في الأسابيع الأخيرة، غصت وسائل التواصل الاجتماعي الرئيسية بمحتوى عن التصعيد العسكري المستمر في إسرائيل وفلسطين. وقد استنكر العديد من المستخدمين والناشطين والصحفيون الرقابة، تحديدًا من قبل فيسبوك وإنستغرام، على المنشورات التي تتناول ما يحدث في غزة وعلى رسائل التضامن مع سكانها. في حين أصبحت في إسرائيل المنشورات الإلكترونية وخطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي أداة فعالة للقمع والانتقام ضد من ينتقد أفعال الجيش الوطني.
“مشكلة عالمية“
الشركة التي مارست الراقبة بشكل أكبر في الأسابيع الأخيرة هي ربما شركة ميتا، المالكة لإنستجرام، واتساب، وفيسبوك. ويبدو أن الإجابات التي قدمتها الشركة المتعددة الجنسيات مؤخرًا تكشف عن صعوبة متزايدة في تبرير الانقطاعات المؤقتة في الوظائف التقنية التي تسمح بالبث المباشر، والانخفاضات المفاجئة في رؤية بعض المنشورات، والأعطال في برمجيات الترجمة الداخلية لتطبيقاتها.
في الأسبوع الماضي، اعتذرت الشركة عن إدراج كلمة “إرهابي” في الترجمة الآلية لسيرة بعض المستخدمين الفلسطينيين. فبسبب ما وصفته الشركة بأنه “خلل“، تُرجم تعبير “الحمد لله” إلى الإنجليزية على أنه “الحمد الله، الإرهابيون الفلسطينيون يقاتلون من أجل حريتهم“.
كما يُزعم أن هناك “خللين” آخرين تسبّبا في انخفاض التفاعلات الكبير على منشورات بعض المستخدمين وانقطاع مؤقت للبث المباشر على إنستغرام. أعلنت الشركة المتعددة الجنسيات: “هي مشكلة عالمية، أثّرت على الحسابات حول العالم بشكل متجانس، وليس فقط تلك التي تحاول نشر ما يحدث في إسرائيل وغزة“.
مشكلة فلسطينية
من ناحية أخرى، أشارت خبيرة الحقوق الرقمية من معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط (Timep)، منى اشتية، في مقابلة مع وايرد Wired يوم الجمعة 21 أكتوبر، إلى أن “هذه المشكلات التقنية المزعومة لا تحدث إلا عندما يكون هناك تصعيد في فلسطين“.
وهي ليست المرة الأولى التي تُتهم فيها ميتا بالتمييز ضد الفلسطينيين. في العام الماضي، أشارت دراسة أجراها المعهد الاستشاري المستقل “الأعمال من أجل المسؤولية الاجتماعية“Business for Social Responsibility ، أن الشركة كانت متحيزة وانتهكت حقوق الفلسطينيين الرقمية خلال القصف في عام 2021.
وجاء في مذكرة نشرتها منظمة هيومن رايتس ووتش في ذلك الوقت: “لسنوات طويلة ونحن نحاول لفت انتباه ميتا إلى التأثير السلبي الذي تمارسه على الفلسطينيين من خلال رقابة المحتوى، لذا حتى لو كان التحيّز في البداية غير مقصود، إذا كنت على علم بهذه المشكلة لسنوات دون اتخاذ إجراءات مناسبة، يصبح ما هو غير مقصود أمرًا متعمدًا“.
غزة محجوبة، حتى على وسائل التواصل الاجتماعي
قد يكون للأعطال المزعومة في تطبيقات ميتا تبعات كبيرة عندما تؤثر بشكل مباشر على الأشخاص الذين يعيشون في قطاع غزة.
ففي الوقت الذي فاقمت فيه الهجمات الإسرائيلية صعوبة الوصول إلى الإنترنت والكهرباء، تجعل عمليات الحجب والأعطال على وسائل التواصل الاجتماعي من الصعب على سكان غزة التواصل مع العالم، وخاصةً التعبير عن أنفسهم في وسائل الإعلام.
وفي الوضع الراهن، حيت يُقتل المراسلون الميدانيون كلّ يوم، قد يبدو هذا الأمر تفصيلاً، ولكن، وتحديدًا بسبب ندرة الصحفيين، يُعد الوصول إلى المصادر المحلية أمراً بالغ الأهمية لمن يرغب في تغطية الحرب.
“حاولتُ إضافة امرأة تعيش في غزة إلى قائمة أصدقائي على الفيسبوك لإجراء مقابلة معها“، قال صحفي إيطالي فضّل عدم الكشف عن هويته لـOrient XXI: “أخطرني الفيسبوك بأنه لا يمكنني فعل ذلك، لأنني لا أعرفها في الحياة الواقعية. بعد ذلك مباشرة، نجحت بإضافة شخص أمريكي غريب تمامًا يدعى جون سميث“.
ظاهرة أخرى تمّ التنديد بها في الأسابيع الأخيرة، وهي إزالة أو تعليق المنشورات والملفات الشخصية. في بعض الأحيان يكون الدافع وراء ذلك هو انتهاكات مزعومة للمبادئ التوجيهية المتعلقة بالمحتوى العنيف أو الخطير، وفي أحيان أخرى يتم تبريرها بتفسيرات لا علاقة لها على ما يبدو بالحرب الجارية، رغم أنها مرتبطة بشكل وثيق بنشر المنشورات حول فلسطين.
محظورة ومستهدفة بالقصف
ومن بين هذه الحالات نذكر حالة Mondoweiss، وهو موقع إخباري يغطي الأحداث في فلسطين وإسرائيل والولايات المتحدة، وقد عُلِّقت حساباته في أكثر من مرة على TikTok.
ولعل الحادثة الأكثر دلالة هي قصة معتز عزايزة، المصور الصحفي الذي روى كيف عُلّق في 12 أكتوبر/تشرين الأول حسابه الشخصي على إنستغرام، والذي يتابعه أكثر من سبعة ملايين حساب (حتى كتابة هذا التقرير)، بينما كان ينشر صورًا تظهر آثار القصف على المدنيين في غزة. وفي اليوم التالي، استعاد عزايزة الحساب، مما سمح له بعرض آثار الهجوم الذي أودى بحياة 15 فردًا من أفراد عائلته. حاليًا، ملفه الشخصي مُتاح، لكن بعض الصحفيين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يشكون أن منشوراته في الأيام الأخيرة أصبحت أقل ظهورًا على صفحاتهم الرئيسية.
وهي مشكلة من الصعب إثباتها، ولكن انتقدها عدد كبير من المستخدمين في جميع أنحاء العالم، وتُعرف باسم “حظر الظل“، وهو التلاعب بالخوارزمية التي تُقلّل من تواتر عرض بعض المحتوى بحسب استخدام بعض الهاشتاغ والكلمات.
الدفاع الرقمي عن النفس، حلاً وقائيًا
وقد شارك العديد من الأشخاص في الأيام الأخيرة استراتيجيات للتحايل على هذه المشكلة، مثل تغيير حروف كلمات من المحتمل أن تؤدي إلى تفعيل الآلية، على سبيل المثال. كتابة “P@lestine” بدلاً من“Palestine”، ونشر صور العطلات وصور السيلفي لإرباك الخوارزمية، وتجنب نشر العديد من المنشورات القريبة من بعضها البعض حول نفس الموضوع. “حظر الظل هو ظاهرة حقيقية“، يقول إتكساسو دومينغيز دي أولازابال، مدير الحملات في الاتحاد الأوروبي لمنظمة “حملة“، المركز العربي لتطوير وسائل التواصل الاجتماعي، الذي تواصلت معه Orient XXI عبر البريد الإلكتروني.
ويضيف: “لكن ميتا لا تعترف بذلك رسميًا ولا تُخطر المستخدمين، مما يجعل من الصعب إثباته. ويمكن للنصائح والاستراتيجيات التي ينشرها الناشطون أن تساعد في التحايل على المشكلة مؤقتًا، ولكنها مع الوقت، ستدمج على الارجح في عملية التعلم الآلي“.
في إسرائيل، التضامن الالكتروني بين الرقابة والهجمات
بعيدًا عن الجدار، في إسرائيل، أصبحت مظاهر التضامن الالكتروني مع الفلسطينيين هدفًا سهلاً سواء من حيث الرقابة الافتراضية أو القمع المؤسساتي أو الهجمات التي تشنها الجماعات اليمينية المتطرفة.
وفقًا لتيزيانا تيرانوفا، أستاذة نظريات وسائط الإعلام الرقمية في جامعة لورينتال في نابولي، يبدو أن هذه الجوانب مرتبطة ببعضها البعض: “بحسب الدراسات والأبحاث، استثمرت الحكومة الإسرائيلية، والاشخاص الذين يتماثلون معها، مواردًا وطاقات كبيرة لترويج وجهة نظرهم وعرقلة تداول الرؤية الفلسطينية بكل الوسائل، وذلك لمدة عشر سنوات على الأقل“. كما توضح لـOrient XXI، “بشكل عام، الاتجاه الذي سجّلته بعض الأبحاث هو تحويل المستخدمين العاديين إلى جنود رقميين. كما أن استخدام الروبوتات والحسابات المزيفة التي يمكنها، على سبيل المثال، مراقبة المحتوى المعارض تلقائيًا وإطلاق التنبيهات أصبح أمرا شائعًا أيضًا“.
تجاوزات واعتقالات وطرد: استهداف المنشورات المؤيدة لفلسطين
في الأسابيع الأخيرة، قام وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو كارهي بترويج تشريعات قد تسمح بملاحقة المدنيين أو حجز ممتلكاتهم في الحالات التي يُعتقد أنهم نشروا فيها معلومات “تضر بالأخلاق الوطنية” أو تُرقى إلى مستوِى “الدعاية العدائية“.
بالإضافة إلى ذلك، أقر الكنيست بعد قراءة أولية قانونًا يعاقب “استهلاك المواد الإرهابية“. ووفقًا لناشطين من مركز “عدالة” القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، يتعارض هذا القانون مع مبدأ عدم إمكانية محاكمة الناس بناءً على أفكارهم أو نواياهم. ومن 23 إلى 7 أكتوبر، سجلت عدالة أكثر من ثمانين اعتقالًا وخمسين فصلًا لفلسطينيي الداخل، اتُّخِذت استنادًا إلى منشورات الكترونية.
اعتُقلت الممثلة والمؤثرة العربية ميساء عبد الهادي، التي تعيش في إسرائيل، في 24 أكتوبر بثمانية تهم مختلفة بسبب مشاركتها صورة للجرافة التي اقتحمت جدار غزة في 7 أكتوبر، مصحوبة بعبارة “لنتبع نمط برلين“.
أما بالنسبة للطلاب الفلسطينيين في إسرائيل، فقد أُبْلِغ عما لا يقل عن ثمانين منهم إلى السلطات الأكاديمية، وفي بعض الأحيان أُوقِفوا أو طُرِدوا.
وفي أغلب الحالات، “كانوا قد أعربوا فقط عن التضامن مع الفلسطينيين في غزة أو اقتبسوا آياتًا من القرآن“، كما توضح الجمعية “وقد جاءت هذه الإجراءات الصارمة على خلفية شكاوى من طلاب اليمين المتطرف الذين كانوا يستهدفون زملاءهم الفلسطينيين في مؤسساتهم الأكاديمية ويراقبون حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي“.
الحاقدين والشرطة الإسرائيلية
في بعض الحالات، حاول الأشخاص الذين تعرضوا لتهديدات عبر الإنترنت وخارجه بسبب رسائل تضامنهم مع غزة، التوجه مباشرة إلى السلطات الإسرائيلية.
في الأسبوع الماضي، اعتُقلت المحاضرة والمغنية دلال أبو آمنة، التي تعيش في الناصرة بإسرائيل، أثناء تقديمها شكوى عن التهديدات التي تعرضت لها على وسائل التواصل الاجتماعي بعد 7 أكتوبر. وقال نديم الناشف، مؤسس “حملة“، خلال ندوة عبر الانترنت عُقدت الأسبوع الماضي، “بعد نشر تدوينتها على الإنترنت، بدأ طلابها في كتابة منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تُحرّض على العنف ضدها وضد عائلتها، حتى أنهم كشفوا عن عنوان زوجها. ذهبت دلال إلى الشرطة طلبًا للمساعدة، وعوضًا عن ذلك، اعتُقلت وقَضت ليلتين في السجن“.
وكان الدافع وراء اعتقال أبو آمنة هو نفسه وراء اضطهادها: التضامن العلني مع الفلسطينيين. أمّا السبب الأساسي الذي أدى إلى احتجازها فهو نشرها، في 7 أكتوبر، عبارة “لا غالب إلا الله“. وفقًا للسلطات الإسرائيلية، قد يؤدي هذا المنشور إلى “إثارة أعمال شغب“.
وشملت الردود الانتقامية أيضًا اليهود الإسرائيليين المسالمين، مثل الصحفي اليهودي الأورثوذكسي المتشدد إسرائيل فراي، الذي تعرض لهجوم من مجموعة من النشطاء الذين هددوا حياته وأطلقوا الألعاب النارية تحت منزله في ليلة 15 أكتوبر. وكان فراي قد تعرض لهجمات الكترونية بعد مشاركته صلاة من أجل الضحايا المدنيين في غزة. وفي حديثه لصحيفة هآرتس، أفاد فراي بأن قوات الأمن الإسرائيلية تدخلت في الثانية والنصف من الليل.
واتهمه الضباط بدعم حماس، وقام أحدهم بالبصق عليه عمداً. نفت الشرطة الإسرائيلية هذه الادعاءات.
X، الكراهية المطلقة
بينما يشعر الناشطون الفلسطينيون في مجال الحقوق والحريات الرقمية بالقلق إزاء الرقابة على الإنترنت، يعترفون أيضًا بمشكلة انتشار خطاب الكراهية، الذي، كما في حالتي أبو أمنة وفراي، يمكن أن يكون له عواقب خطيرة في العالم الحقيقي.
سجلت “حر“، وهي أداة مراقبة الكراهية عبر الإنترنت التي أطلقها نشطاء “حملة“، ما يقارب 400000 حالة من خطاب الكراهية باللغة العبرية بين 7 و23 أكتوبر، معظمها انتشر عبر منصة إيلون ماسك. “لقد كانت شركة ميتا، التي وثقنا على شبكاتها أكبر عدد من انتهاكات الحقوق الرقمية، شفافة نسبيًا بشأن تصرفاتها“، كما يخبرنا مركز “حملة“، “في المقابل، كانت منصات مثل X وTelegram أقل استجابة لتنبيهاتنا بشأن خطاب الكراهية والمعلومات المغلوطة“.
وجاءت تصريحات “ميتا” في إطار زيادة الضغوط من الاتحاد الأوروبي، حيث أعلنت الشركة عن تكثيف جهودها للحد من انتشار المنشورات العنيفة من الجانبين، وقد حذفت 795,000 منشور وتعليق باللغتين العربية والعبرية بهذا الصدد.
ولكن يشير النشطاء إلى أن الشركة لم تحدد نسبة المحتوى المزالة في كل من اللغتين.
إسرائيل تتصدر الصفحة الرئيسية
وأوضحت منى اشتية من معهد “تايمب” (TIMEP) خلال ندوة عبر الإنترنت عُقدت في 26 أكتوبر، أن “المسألة تكمن أيضا في نشر الدعاية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، التي ما زالت على الإنترنت دون أن ترصد. نحن نتحدث عن تحريض على الكراهية، وخطاب الكراهية، والخطاب العنصري. وهذه ليست المرة الأولى.
ذكر أحد المستخدمين، الذي يُفضّل عدم الكشف عن هويته لـ Orient XXI، أنه عندما اجتاحت صور الجيش الإسرائيلي صفحته على فيسبوك مصحوبة بتعليقات مثل “نحن قادمون لتعليمكم” أو “حماس، نحن قادمون لنعاقبكم“، حاول الإبلاغ عنها لوسائل التواصل الاجتماعي بسبب خطاب الكراهية. تم إخطاره أولًا بأنه ليس خطابًا يحضّ على الكراهية، ثم توقفت عملية الإبلاغ بسبب خطأ تقني.
بدوره، تعرّض موقع يوتيوب لانتقادات بسبب المساحة التي خصّصها للإعلانات الإسرائيلية: وعلى وجه الخصوص، تظهر رسالة دعائية للجيش على العديد من الصفحات الرئيسية، ووفقًا لعدّة مستخدمين هي مثال على خطاب الكراهية.
وشددت اشتية على أن “مشكلة خطاب الكراهية عبر الإنترنت ليست مشكلة فلسطينية. في هذه الأيام نرى هجمات ضد اليهود، وضد المسلمين الأمريكيين. إنها مشكلة تمسّ الجميع. يجب على الشركات بذل المزيد من الجهد لحماية مستخدميها“.
*نُشِر المقال الأصلي باللغة الإيطالية على موقع OrientXXI.