منذ اختراق جدار غزة، لاحظنا انجرافًا مستمراً نحو التضليل والدعاية الإسرائيلية المنتشرة عبر جميع وسائل الإعلام الرئيسية في الغرب، والتي تمحورت حول أكاذيب باطلة ومحاولات واهية لتقديم “دلائل“، بهدف صرف الانتباه عن العنف الفادح والدمار الناجم عن الإبادة الجماعية الإسرائيلية للفلسطينيين/ات في غزة، ونزع شرعية النضال الفلسطيني لإنهاء الاستعمار في المجال السياسي الدولي.
شكّل الجندر/الجنس/الجنسانية إحدى المجالات الرئيسية المستخدمة ضمن الإستراتيجية الصهيونية لمكافحة الإرهاب وسط الإبادة الجماعية المستمرة في غزة اليوم. إنّ فهم طريقة استخدام هذه المجالات تتيح لنا تحدي التأطير الاختزالي لما أسميه مفهوم “النساء–الاطفال–الكوير” في سياق مكافحة التمرد الصهيوني.
هو أمر ضروري، لأنه حتى لحظة كتابة هذا التقرير، عزّزت إسرائيل استخدام حقوق المرأة والمثليين/ات وثنائيي/ات الميل الجنسي والترانس والكوير كسلاح في أجندتها الإبادية.
فقد استعملت الدولة الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية بشكل خاص ثلاث مجازات رئيسية مستقاة من الحركة النسوية الإمبريالية وأساليب الغسيل الوردي في الأسابيع الماضية، وهي: الذكر الفلسطيني باعتباره مفترسًا جنسيًا، أو عنيفًا بطبيعته، أو وحشًا إرهابيًا كارهًا للمثليين.
ادعاءات اغتصاب جماعي
بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، انتشرت بشكل واسع ادعاءات تتهم المقاتلين الفلسطينيين بالاغتصاب الجماعي عبر وسائط الإعلام، بما في ذلك من قبل بعض النسويات المزعومات.
في 9 أكتوبر، أصدرت اللجنة النسوية الثورية المؤقتة في جنوب كاليفورنيا بيانًا بعنوان “انزعوا النسوية من يد المُستَعْمِر“، حيث دُحِض بشكل مباشر تأييد ادعاءات الاغتصاب الجماعي التي لم تؤكدها حتى مصادر وسائل الإعلام الإسرائيلية.
على الرغم من أن هذه الاتهامات قد تجد أدلة كافية لإثبات صحّتها في المستقبل، إلا أن السؤال الذي طرحه الكثيرون هو: كيف يمكن لرواية قيام حماس بالاغتصاب الجماعي أن تنتشر بشكل ناجح رغم قلة المستندات والأدلة، وحتى انعدامها، وكيف تصبح هذه الرواية ذريعة لقصف واسع وجرائم حرب موثقة ومباشرة؟ كيف يمكن اعتبار العنف الجماعي الموجّه ضد عدد لا يُحصى من الأبرياء، بما في ذلك الآلاف من النساء، ردًا مناسبًا على العنف الجنسي المزعوم؟
حتى تاريخ 6 ديسمبر 2023، مازالت مزاعم واتهامات الاغتصاب غير مؤكدة نظرًا لعدم وجود تحقيق مستقل. استند تقرير لشبكة “سي إن إن” في 18 نوفمبر، يدعي بوقوع أعمال عنف جنسي في 7 أكتوبر، إلى شهود و “خبراء” يفتقرون إلى المصداقية أو لديهم صلات مع الحكومة الإسرائيلية. على سبيل المثال، أجرت “سي إن إن” مقابلة مع كوخاف إلكايام ليفي وعرّفتها على أنها “خبيرة في قانون حقوق الإنسان نظمت لجنة مدنية لتوثيق الأدلة“. عملت إلكايام ليفي في مكتب مدعي عام الحكومة الإسرائيلية في قسم القانون الدولي، حيث قدمت مبررات قانونية لجرائم الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. ووصل الأمر بإلكايم ليفي إلى أن تعرض صورة قديمة لمقاتلات كرديات متوفيات وتقديمهن زورًا على أنهن نساء اغتصبن في مهرجان نوفا.
في 4 ديسمبر، أفادت صحيفة ديلي ميل بأن “محققين” من الدولة الإسرائيلية، الذين لديهم سجل حافل من الأكاذيب الصريحة، يدعون بوجود أدلة على تعرض المستوطنين والمستوطنات للاغتصاب من قبل مقاتلين فلسطينيين اقتحموا سياج غزة الحدودي في وقت مبكر من اليوم.
في 29 نوفمبر، أعربت لجنة الأمم المتحدة عن التزامها بالتحقيق في حالات العنف الجنسي التي ارتكبتها حماس، وهو ما رد عليه جلعاد إردان، الممثل الدائم لإسرائيل في الأمم المتحدة، باتهام لجنة الأمم المتحدة بمعاداة السامية، والإعلان عن عدم تعاون إسرائيل معها.
لهذه الادعاءات سياق تاريخي يمكن العثور عليه في تاريخ طويل من النسوية الاستعمارية. عندما تتناول النسويات الاستعماريات، مثل هيلاري كلينتون وشيريل ساندبرج وميشال هيرزوغ، أسباب وعواقب العنف الجنسي والجندري، فهنّ يفعلن ذلك فقط كوسيلة لتعزيز أجندتهن الاستعمارية، التي أعيد تسميتها الآن لتصبح مواتية للمرأة. في سياق فلسطين/إسرائيل، تعتمد هذه الأجندة على إسناد فئة الأنوثة حصريًا بالنساء الإسرائيليات، وتوسيع نطاق التضامن النسوي الأممي (وفوائده المادية) لشملهن فقط، وبالتالي، استبعاد النساء الفلسطينيات من نفس فئة الأنوثة والمساواة وبقايا نطاق تضامنها النسوي.
ويستمر هذا على الرغم من وجود العديد من التقارير الموثقة والمحققة والمثبتة التي تمت مراجعتها من جديد، والتي توثق العنف الجنسي الواسع والمستمر ضد النساء الفلسطينيات، وهو عنف يعود تاريخه بشكل أساسي إلى نكبة عام 1948 ويمتد حتى تاريخ كتابة هذه السطور.
حتى تصريحات كبير حاخامات قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي تسمح للجنود الإسرائيليين باغتصاب النساء الفلسطينيات، فشلت في تغير هذا السرد. ومن الملحوظ أن تجريد الفلسطينيات/ين من إنسانيتهن/م هو بمثابة تمهيد للإبادة الجماعية، كما أكد وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، في 9 تشرين الأول/أكتوبر، خلال الإعلان عن حصار كامل على غزة، واصفًا أعداء إسرائيل بـ “الحيوانات البشرية“.
الذكر الفلسطيني الوحش والإرهابي والمفترس الجنسي
وإن كانت النساء الفلسطينيات قد حُرمن من أنوثتهن، فما هو وضع الرجال الفلسطينيون؟ يُصوَّر الرجال الفلسطينيين خارج فئة البشر تمامًا. ولا يقتصر الأمر على تصويرهم باستمرار كمرتكبي الاغتصاب وكشخصيات وحشية، بل لا يُعترف بهم أيضًا كضحايا للعنف الجنسي. وُثّقت العديد من حالات العنف الجنسي ضد الرجال والفتيان الفلسطينيين في الاعتقال الإسرائيلي على نطاق واسع. وقد أكدت شهادات رجال وفتيان فلسطينيين، أُطلق سراحهم خلال صفقة التبادل الأخيرة، هذا التعذيب الجنسي والاغتصاب المنهجي على يد قوات الاحتلال الإسرائيلية. وكما وُثقت حالات الإذلال التي تعرض لها الرجال والأولاد الفلسطينيين من قبل جيش الاحتلال، في صور ظهرت مؤخرًا في 7 ديسمبر، حيث ظهر جنود إسرائيليون يجردون العشرات من الرجال المدنيين الأسرى من ملابسهم ويأخذونهم إلى مكان مجهول.
على الرغم من عدم وجود أي أدلة حتى الآن تدعم مزاعم الاغتصاب الجماعي في 7 أكتوبر، تصرّ النساء المستوطنات ومؤيداتهن النسويات من الغرب على الاعتراف برواياتهن، مشددات على المبدأ النسوي المتمثل في تصديق جميع النساء.
في الحقيقة، هناك تاريخ طويل من إدانة الرجال السود وذوي البشرة السمراء وإعدامهم دون محاكمات بناء على اتهامات كاذبة بالاغتصاب من قبل نساء بيض. تركت وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) وثائق مفصلة عن حملات قمع وتضليل إعلامي واسعة ومناهضة للشيوعية طوال القرن الماضي. وقد استخدمت بعض هذه التقارير الإعلامية، التي لفّقتها الوكالة، تهم اغتصابات زائفة ضد الرجال ذوي البشرة السمراء والسود المُستَعْمَرين، منها اتهام القوات الكوبية المدافعة عن الحركة الشعبية الماركسية لتحرير أنغولا (MPLA) في عام 1975 باغتصاب نساء أنغوليات، وهو اتهام نُشر بشكل واسع دون تدقيق في وسائل الإعلام الغربية، وتبين لاحقًا أنه كان تلفيقًا كاملًا من قبل وكالة المخابرات المركزية. ومؤخرًا، عام 2011، استخدمت الولايات المتحدة اتهامات باطلة عن تزويد مرتزقة معمر القذافي بالفياجرا لحثهم على الاغتصاب الجماعي، للترويج لتدخلها العسكري في ليبيا.
ولا بد من الاعتراف هنا بأن التاريخ المناهض للاستعمار قد علّمنا، أن العنف الجنسي غالبًا ما لا يُتَحدّث عنه، إلا إذا كان ضمن هويات عرقية. يُصوّر شبح الاغتصاب المرتبط بالصور النمطية المعادية للعرب والإسلام، بشكل خاطئ الرجال الفلسطينيين كتهديد صارخ ومنتشر للنساء الإسرائيليات، وذلك لتبرير مساع الدولة الاستعمارية الاستيطانية للسيطرة عليهم وإخضاعهم من خلال الاعتقال والاستعمار.
إن تصوير الرجل العربي/الفلسطيني كوحش جنسي إرهابي متخيل هو حالة نموذجية للنسوية الإمبريالية، حُدّدت للمرة الأولى في الكتاب التأسيسي للفيلسوف النسوي الكوير جاسبير بوار، “التجمعات الإرهابية“. ويُستخدم مفهوم “الوحش الإرهابي والمفترس الجنسي” لشيطنة صفات الرجولة الفلسطينية، ومساواتها بالهمجية والدوافع الجنسية الجامحة.
عندما يُصوَّر المُستَعَمرين ويُجسّدوا كوحوش ومغتصبين مهووسين جنسيًا بشكل مفرط، عوضًا عن تصويرهم كبشر، فإن ذلك يكون بمثابة مبرر للقضاء عليهم.
تصنيع الموافقة النسوية للإبادة
تستخدم الدولة الصهيونية وأنصارها تصنيع الموافقة كتكتيك رئيسي لهم. يشمل ذلك استخدام وسائل الإعلام لحشد الدعم وتنفيذ الإبادة، وذلك من خلال استراتيجيات الخطاب التي تُحوّل الأكاذيب إلى حقائق مبينة. تعتمد هذه الآلة الدعائية على تكرار الادعاءات الواهية، مثل اتهام الرجال العرب باغتصاب النساء المستوطنات، والتي تجذب بسهولة الجماهير الغربية التي هُيّأت وحُضّرت لذلك على مر عقود من التصوير النسوي العنصري الراسخ الذي يصور الرجال العرب كإرهابيين متوحشين عنيفين جنسيًًا.
وقد أُعيد إحياء استخدام تهم الاغتصاب كسلاح بطرق لم تسبق لها مثيل خلال الأسابيع الأخيرة. لا تقوم هذه الدعاية فقط على إعادة إنتاج التحريفات وتشويه الحقيقة والأكاذيب الحالية، بل تعمد أيضاً إلى التحريض على التواطؤ والموافقة على إبادة الفلسطينيين/ات، من خلال التلاعب بالرأي العام عبر تشويه سرد الأحداث والإغفال الانتقائي عن الحقائق التاريخية، مما يُعزز إخفاء سجل جيش الاحتلال الإسرائيلي الحافل والمثبْت بالاغتصاب على مدى أكثر من 75 عامًا من الاحتلال والاستعمار.
وكما أشار الكاتب والشاعر الفلسطيني محمد الكرد في 4 ديسمبر: “يهدف إحياء اتهامات الاغتصاب المكثّف إلى صرف الانتباه عن المجازر الجماعية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة الآن. وبينما تبقى القصص الأولى غير مدعومة بالأدلة، تُبثّ المجازر على الهواء مباشرة، وصورة واحدة تُغني عن ألف كلمة“.
“النساء-الأطفال” والرجال الخطرين
في 2 نوفمبر، اتهمت إسرائيل حركة حماس باستخدام أكثر من 100 امرأة وطفل كدروع بشرية في غزة، وهو اتهام يستخدمه جيش الاحتلال بشكل متكرر بعد كل هجوم على القطاع المكتظ لتبرير قصفهم للمدنيين، خاصة النساء والأطفال. مع تجاوز عدد الفلسطينيين/ات الذين قتلوا بالقصف الإسرائيلي في غزة 17,000 قتيل/ة حسب وزارة الصحة في غزة، فإن الإعلام يسلط الضوء غالبًا على قتل “النساء–الأطفال” الأبرياء لتمييزهم/ن عن إبادة الرجال الفلسطينيين (المبررة).
في مقال بعنوان “هل يمكن للرجال الفلسطينيين أن يكونوا ضحايا؟ جندرة حرب إسرائيل على غزة“، تستخدم الباحثة في دراسات الجندر، مايا مكداشي، مفهوم “النساء–الاطفال” الذي صاغته عالمة العلاقات الدولية النسوية سينثيا إنلو، وتطبقه على السياق الفلسطيني. فتكتب: “ينجح مفهوم “النساء–الأطفال” في “جمع النساء والأطفال في كتلة لا يمكن تفرقتها، وإعادة إنتاج جسد الرجل الفلسطيني (وجسد الرجل العربي بشكل عام) كجسد خطير بشكل دائم ومسبق“. والأهم من ذلك، فإن “الفرق بين “النساء–الاطفال” الفلسطينيات والرجال الفلسطينيين لا يكمن في إنتاج الجثث، وإنما في تداول تلك الجثث ضمن إطارات الخطاب السائدة والرئيسية/ التي تحدد من يمكن الحداد عليه علنًا كـ ‘ضحية‘ آلة الحرب الإسرائيلية.
يُشيطِن مفهوم “النساء–الأطفال“ في كثير من الأحيان الرجال الفلسطينيين/العرب، ويعزّز معيار الأبوية الذي تفترض أن الرجال المُستَعْمَرين لا يستحقون صفات مثل التعاطف والرأفة والبراءة وعدم القدرة على الدفاع عن النفس والحماية والهشاشة وقابلية الحداد عليهم عندما يقتلهم جيش الاحتلال. تنبع هذه الرؤية من المنظور، الموضح أعلاه، الذي يُصوّر الرجال الفلسطينيين/العرب كرجال عنيفين وعدوانيين بطبيعتهم، ويُصنّفهم باستمرار كمقاتلين. في الواقع، تُصنّف إسرائيل جميع الذكور الفلسطينيين الذين يتراوح أعمارهم بين 15 و60 عامًا كمقاتلين. تعتمد هذه الافتراضية على مبدأ أنّ الرجال هم دائمًا متمردون محتملين، مما يجعلهم هدفًا مبررًا للقتل/التصفية أو الاعتقال في كافة الاعمار.
بالإضافة إلى ذلك، يعزّز هذا المجاز وجهات النظر المسطحة حول الجندر والجنس، ويُعامِل المرأة الفلسطينية كطفلة من خلال المساواة بينها وبين الأطفال من حيث وكالتها وعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها، فيُمحي وجود المقاتلات والدور الأساسي الذي تلعبه المرأة دائمًا في جميع حركات المقاومة والتحرير.
وبلا شك، فإن كل فلسطيني، بما في ذلك النساء والأطفال، في فلسطين والشتات، يُعتبر كتهديد محتمل، ويُتعامل معه كمقاتل يمكن التضحية به، ويتعرض لقتل عشوائي وتشويه مستهدف واعتقال جماعي. كما يُصوّر باستمرار كجزء من طبقة دنيا إجرامية أو إرهابية. ومع ذلك، يكمن الاختلاف بين الرجال الفلسطينيين والنساء والأطفال أساسًا في التسلسل الهرمي للوفيات التي تستحق الحداد وتشكيل الضحية المجندرة. فعلى عكس ارتباط الأنثوية بالضحية والذكورة بالعنف، فانّ الضحية المجندرة كانت دائمًا، ومازالت، مرتبطة جوهريًا بالتمييز العرقي والاستعماري والطبقي.
إلّا أنّ مطالبتي بضم الذكور الفلسطينيين البالغين (الذين يُفترض أنهم من ذوي الغيريّة الجنسية المعيارية) في عالم التعاطف والحزن والقيمة المتأصلة، خاصة أن معظم الرجال الفلسطينيين ليسوا مقاتلين نشطين في ميليشيات منظمة، لا يعني ضمنًا عدم التعاطف مع الذكور الفلسطينيين المقاتلين. في سياق النضال الفلسطيني المناهض للاستعمار، يبقى الحق في الحداد وتكريم القيمة الذكورية والمقاومة مبررًا، إن لم يكن أكثر أهمية من أي وقت مضى بالنسبة للسياق الحالي لتحرير فلسطين.
ومن الضروري أن نعترف هنا أن المقاومة تنتشر في كل جسد فلسطيني، وفي كل مجتمع، وفي كل بيت. لذا يجب تجنب التشتيت والمزالق السياسية المتمثلة في التمييز المستمر بين المقاومة الفلسطينية (الرجال) والمدنيين (النساء–الأطفال). فكل فلسطيني هو مدني.
الغسيل الوردي والوحش الإرهابي الفلسطيني المعادي للمثليين
في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، انتشر على نطاق واسع مشهد هزلي لبرنامج كوميدي إسرائيلي يسخر من النشطاء والناشطات الكوير والعابرين/ات المؤيدين/ات للفلسطينيين/ات؛ ويصورهم/ن على أنهم/ن مؤيدون/ات ساذجون/ات لقمعهم/ن الذاتي (في ظل حكم حركة حماس المعادية للمثليين على ما يبدو). يَظهر في المشهد مضيفا برنامج إخباري طلابي خيالي في إحدى الجامعات الأمريكية، حيث يعلنان أن “الجميع مرحب به الآن: LGBTQH (حرف H يرمز إلى حماس)، وأن “اليهود يجعلون العالم مكانًا قذرًا… أنا لست معاديًا للسامية، أنا عنصري مرن“. بعد ذلك أجرى المضيفان مقابلة مع ممثل ملثم من حماس، وأعربا عن إعجابهما به، غير مدركين لحقيقة أنه يستخدم لغة معادية للمثليين تجاههما، حتى عندما قال الوحش الإرهابي “سوف نرميك من السطح، أيها المثلي القذر“.
الغسيل الوردي هي حملة دعائية عالمية تهدف إلى صرف التركيز عن الاستعمار الإسرائيلي المستمر لفلسطين من خلال إعادة تشكيل صورة إسرائيل كدولة تقدمية “مرحبة بالمثليين” ظاهريًا، على عكس التصور المعادي للإسلام في أوروبا والولايات المتحدة، الذي يصوّر الثقافة الفلسطينية والعربية والإسلامية بشكل أساسي وبديهي كثقافة كارهة للمثليين بطبيعتها.
إنّ الغسيل الوردي في أطر حقوق الإنسان متجذر في التكتيك النسوي الإمبريالي المتمثل في مساواة وضع النساء المستوطنات مع النساء الفلسطينيات المُستَعْمَرات، والمستوطنين/ات الكوير/الترانس مع الكوير/الترانس المُستَعْمَرين/ات، وكلاهما يُستخدم كسلاح لإخفاء العنف الذي ترتكبه النساء المستوطنات والمستوطنين/ات الكوير/الترانس ضد النساء والأطفال الفلسطينيين/ات والرجال ذوي الغيريّة الجنسية المعيارية، وتصنيع الموافقة النسوية والكوير/الترانس من الغرب لذبح الفلسطينيين/ات.
كجزء من عقائدها المشتركة “بالحرب على الإرهاب”، تدير الدول الإمبريالية الرائدة مثل الولايات المتحدة وإسرائيل أنظمة قومية مثلية تعيد إنتاج ونشر تصوراتها عن الرجال العرب على أنهم عنيفون جنسيًا، كارهين دائمًا للمثليين، وإرهابيين منحرفين وجانحين. وكما يؤكد الكوير في فلسطين، ردًا على الصور المزعجة للجنود الإسرائيليين وهم يحملون علم فخر المثليين على أنقاض غزة: لا فخر بالإبادة الجماعية، ولا فخر بالاستعمار الاستيطاني.
وهكذا، يمكن أن تتوسع فئة “النساء–الاطفال” غير القادرين/ات على الدفاع عن أنفسهم/ن والبريئين/ات لتشمل الكوير، وتصبح “ النساء–الاطفال–كوير“.
مقاومة الشيطنة
إن تصوير الرجال الفلسطينيين كمغتصبين، كارهين للمثليين، ومختلفين عن “النساء–الأطفال–الكوير”، يحوّلهم لأفراد مجردين من إنسانيتهم، مما يستدعي السيطرة عليهم واحتلالهم. يعمد تكتيك التجريد من الإنسانية هذا على تصوير الذات الذكورية الفلسطينية ذات الهوية الجندرية المعيارية، وخاصة مقاتل المقاومة الفلسطينية الظاهر بشكل بارز، على أنه إرهابي عنيف بشكل دائم.
يعزز اختلاق الإعلام للتهديد الجنسي المنسوب إلى مقاتلي المقاومة الفلسطينية حملة الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل وآلة الحرب الأمريكية، والتي يتم تسهيلها عبر وسائل الإعلام. ويصبح إضفاء الطابع الجنسي على أجساد مقاتلي المقاومة الفلسطينية الذكور إلى حد تجريدهم من الإنسانية ضرورة استراتيجية لتقدم المشروع الصهيوني.
لعقود من الزمن، دأبت وسائل الإعلام الرئيسية في كل من إسرائيل والغرب على إنكار وصف أي حركة فلسطينية كمقاومة، وهي مقاومة يكفلها القانون الدولي، كقوة ثورية مناهضة للاستعمار. على عكس السرد الذي يعتبر النزاع كصراع “ذو جانبين“، ما يحدث على أرض الواقع هو اعتداء أحادي الجانب واحتلال شامل من قبل دولة استعمارية عنصرية متشددة، مدججة بالعسكرة وسياسات الإبادة الجماعية، ومدعومة من الغرب.
ومن الضروري، خاصة في السياق الحالي، التأكيد على طبيعة حركة المقاومة الفلسطينية المناهضة للاستعمار. فرسم أوجه الشبه مع الحركات التاريخية المعروفة مثل المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC) في جنوب أفريقيا، وجبهة التحرير الوطني (FLN) في الجزائر، وجبهة فريليمو في موزمبيق، والفيت كونغ في فيتنام، يُظهر أهمية العنف الثوري ضمن المقاومة المناهضة للإمبريالية.
تخدم شيطنة الرجولة الفلسطينية أجندة إمبريالية مزدوجة. فمن ناحية، هي تهدف إلى حشد الدعم لإبادة الفلسطينيين/ات الجماعية. وفي الوقت نفسه، هي استراتيجية لتقويض شرعية أي مقاومة فلسطينية مسلحة وسعيها لتنزع الاستعمار من أجل الحرية والتحرر. ردًا على هذه التكتيكات، فإن مسؤوليتنا الجماعية ككوير وترانس ونسويات، على المستويين الإقليمي والعالمي، هي فضح الدعاية الصهيونية، ولا سيما أبعادها النسوية الاستعمارية والغسيل الوردي. وعلينا التثبّت في التزاماتنا ودعمنا المادي للنضال الفلسطيني من أجل التحرير.