يعيش ذوي الاحتياجات الخاصة في غزة معاناة حقيقية ويعيشون ظروفاً غير إنسانية فهم ليسوا مجرد أرقام في نشرات اخبارية وتقارير المؤسسات الدوليّة، بل اشخاصا يحتاجون، ربما أكثر من غيرهم، إلى دعمنا وتضامننا وإلى مزيد من الجهود الدولية والمحلية لضمان حصولهم على حقوقهم الأساسية ومسعى جديّ لتوفير الحماية لهم في أوقات الإبادة والنزاعات المسلحّة. قصصهم تذكرنا بأن الإنسانية يجب أن تكون دائماً في قلب جهودنا لتحقيق السلام والعدالة.
محمد بهّار يمثل رمزاً لهذه المعاناة، وقصته يجب أن تكون دافعاً لنا جميعاً للعمل من أجل إنهاء هذه المآسي. في النهاية، الإنسانية تعني القدرة على التعاطف والعمل من أجل تحسين حياة أولئك الذين يعانون.
محمد بهار شاب فلسطيني مصاب بمتلازمة داون والتوحد قتله كلب الاحتلال الإسرائيلي في هجوم على منزل عائلته في حي الشجاعية بشكل وحشي.
الإنسانية هي التزام بمبادئ أخلاقية وقيم اجتماعية تساهم في تنظيم العلاقات بين الأفراد والمجتمعات، مثل العدالة، الرحمة، والتعاطف. إن الإنسانية هي استعادة إحياء الصورة التي تتغافل عنها الحكومات، هي التذكير بأن البشر في كل مكان يستحقون الحياة في أرضهم وبين أحبائهم دون خوف.
وفقاً للإحصاءات، فإن تأثير النزاع على هذه الفئة تفاقم بشكل كبير خلال أيام حرب الإبادة على غزة وهذا ما أوضحه، على سبيل المثال، تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” بأن ذوي الاحتياجات الخاصة في غزة يعانون بشكل مضاعف أثناء النزاعات المسلحة بسبب نقص الملاجئ الآمنة وصعوبة التنقل. وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، في بيانه الصحفي الصادر بمناسبة اليوم العالمي للأفراد ذوي الإعاقة، في كانون الأول ٢٠٢٣، فإن عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في غزة قبيل العدوان الاسرائيلي في تشرين الثاني ٢٠٢٣، قدّر بنحو 58 ألف فرد، أي ما يعادل 2.6% من إجمالي سكان القطاع. ويذكر ان الاجراءات الاسرائيلية والحروب المتعاقبة تشكّل سببا مركزيا في ارتفاع عدد الإعاقات وخاصة الإعاقات الحركيّة. كما يشكّل الاحتلال والاعتداءات الاسرائيلية السبب المركزي في إحداث اعاقة واحدة على الأقل لحوالي 6% من الأفراد البالغين في فلسطين، بواقع 8% في قطاع غزة مقابل 4% في الضفة الغربية. ووفقاً لتقديرات الجهاز فقد بلغ عدد الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة نحو 127 ألف شخص ممن تأثروا بشكل مباشر أو غير مباشر بالاعتداء الإسرائيلي على غزة.
كفلسطيني من ذوي الاحتياجات الخاصة يعيش في أوروبا أعادني ما يحصل في غزة إلى تجاربي الخاصة ومعاناتي في اوقات الحروب. منذ بداية الحرب في سوريا كنت دوماً اتجنب التجمعات والمشاجرات وذلك لأنني لا أستطيع استخدام كلتا يدي ولا امشي بصورة طبيعية. اذكر صباح يوم 15-12-2012 حين انهالت القذائف علينا وكان دوامي في معهدٍ يبعد عن بيتي قرابة العشر دقائق سيراُ على الأقدام. حينها، جاء والدي على دراجته مسرعاً لينقذني مدركا بأن حركتي بطيئة بعض الشي مما يجعل احتمال إصابتي أمراً محتوماً. امسك ابي يدي يدي وركضنا بين الحارات أحاول مجاراة سرعته. وعندما اقتربنا من منزلي أصابتني قطعة محترقة من قذيفة حرقت كف يدي.
لم تنته معاناتي مع خروجي من سوريا، فكانت رحلتي الى اوروبا صعبة جداً وكانت أيام مكثنا في البحر كالبرزخ الحي، كوني أعاني، أيضا، من نوبات صرع. أذكر أنني افترشت سترة نجاتي بالقرب من خزان المياه، ولم أستطع التحرك لأن جسدي كان منهكاً جداً ولم أستطع مجاراة البحر خلال الرحلة.
أنا، الفلسطيني المهجر من قرية اجزم، المولود في مخيم اليرموك جنوبي دمشق، والذي فوق وصمته الجسدية يعاني من وصمة لاجئ أخرج بانتظام إلى المظاهرات في أوروبا لأذكر أقراني الذين ينامون في وطنهم في مساحة ضيقة لا تتسع حتى لثنية قدم، بأن صوتي في شوارع أوروبا هو صوتهم جميعاً.
خلال أيام الحرب في سوريا، كانت حياتي مثل محاولة تجنب بيانو يسقط بسرعة ثور هائج. كنت أذهب للمظاهرات وحيداً، أتذكر الشهداء مثل محمد وأحيي ذكراهم عندما أتكلم عنهم لأصدقائي. واليوم لا تساوي آلامي الجسدية شيئاً أمام ما أراه منذ 300 يوم ونيّف. ، مع هذا، أشاهد مقاطع فيديو عن معاناة أهالي غزة لأذكر نفسي دوماً لماذا أقاوم الحياة.